كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

حَبِيبٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة قَالَ بن بَطَّالٍ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ يُنَقِّصُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْجَمَلِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَقَرْنَ فِي بيوتكن يَقْتَضِي تَحْرِيمَ السَّفَرِ عَلَيْهِنَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ قَالَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُنَّ جِهَادًا غَيْرَ الْحَجِّ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْهُ اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا فِي جَوَابِ قَوْلِهِنَّ أَلَا نَخْرُجُ فَنُجَاهِدَ مَعَكَ أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْكُنَّ كَمَا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِنَّ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى وَفَهِمَتْ عَائِشَةُ وَمَنْ وَافَقَهَا مِنْ هَذَا التَّرْغِيبِ فِي الْحَجِّ إِبَاحَةَ تَكْرِيرِهِ لَهُنَّ كَمَا أُبِيحَ لِلرِّجَالِ تَكْرِيرُ الْجِهَادِ وَخَصَّ بِهِ عُمُومَ قَوْلِهِ هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَرْنَ فِي بيوتكن وَكَأَنَّ عُمَرَ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي ذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ قُوَّةُ دَلِيلِهَا فَأَذِنَ لَهُنَّ فِي آخَرِ خِلَافَتِهِ ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ بَعْدَهُ يَحُجُّ بِهِنَّ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا وَقَدْ وَقَفَ بَعْضُهُنَّ عِنْدَ ظَاهِرِ النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ وُجُوبُ الْحَجِّ مَرَّةً وَاحِدَةً كَالرِّجَالِ لَا الْمَنْعُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْمَرْأَةِ مَعَ مَنْ تَثِقُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا وَلَا مَحْرَمًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الَّذِي يَلِيهِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[1862] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرٍو هُوَ بن دِينَارٍ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ كَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج وبن عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ بِهِ وَلِعَمْرٍو بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عبد الرَّزَّاق وَغَيره عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ نَزَلْتَ قَالَ عَلَى فُلَانَةٍ قَالَ أَغْلَقْتَ عَلَيْهَا بَابَكَ مَرَّتَيْنِ لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ أَوْ أَبُو معبد عَن بن عَبَّاسٍ قُلْتُ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا مُرْسَلُ عِكْرِمَةَ وَفِي الآخر رِوَايَة أبي معبد عَن بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ كَذَا أَطْلَقَ السَّفَرَ وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي الْبَابِ فَقَالَ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَة وَعنهُ رِوَايَات أُخْرَى وَحَدِيث بن عُمَرَ فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْهُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى أَيْضًا وَقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَاتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ التَّحْدِيدِ ظَاهِرَهُ بَلْ كُلُّ مَا يُسمى سفر فَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ إِلَّا بِالْمَحْرَمِ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحْدِيدُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ فَلَا يُعْمَلُ بِمَفْهُومِهِ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مَوَاطِنَ بِحَسَبِ السَّائِلِينَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمُفْرَدَ وَاللَّيْلَةَ الْمُفْرَدَةَ بِمَعْنَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ يَعْنِي فَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةً أَرَادَ بِيَوْمِهَا وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ جَمْعِهِمَا أَشَارَ إِلَى مُدَّةِ الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَعِنْدَ إِفْرَادِهِمَا أَشَارَ إِلَى قَدْرِ مَا تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَوَائِلِ الْأَعْدَادِ فَالْيَوْمُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ التَّكْثِيرِ وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ فِيهِ السَّفَرُ فَكَيْفَ بِمَا زَادَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الثَّلَاثِ قَبْلَ ذِكْرِ مَا دُونَهَا فَيُؤْخَذُ بِأَقَلِّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْبَرِيدِ فَعَلَى هَذَا يَتَنَاوَلُ السَّفَرُ طَوِيلَ السَّيْرِ وَقَصِيرَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ امْتِنَاعُ سَيْرِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْمَنْعَ الْمُقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ مُتَحَقِّقٌ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَنُوقِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهَا وَطَرْحُ مَا عَدَاهَا فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَمِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَتَرْكُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ هُنَا وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِخِلَافِ حَدِيث الْبَاب فَإِنَّهُ لم يخْتَلف على بن عَبَّاسٍ فِيهِ وَفَرَّقَ سُفْيَانُ

الصفحة 75