كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عَلَى السَّفَرِ إِذَا وُجِدَتْ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ مَحْرَمٍ عَامٌّ فِي كُلِّ سَفَرٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَجُّ فَمَنْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ خَصَّ الْحَدِيثَ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَمَنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ خَصَّ الْآيَةَ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّرْجِيحِ مِنْ خَارِجٍ وَقَدْ رُجِّحَ الْمَذْهَبُ الثَّانِي بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَيِّدٍ لِكَوْنِهِ عَامًّا فِي الْمَسَاجِدِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى السَّفَرِ بِحَدِيثِ النَّهْيِ قَوْلُهُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ أَيْ فَيَحِلُّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ الزَّوْجِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَضَابِطُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَخَرَجَ بِالتَّأْبِيدِ أُخْتُ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتُهَا وَبِالْمُبَاحِ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتُهَا وَبِحُرْمَتِهَا الْمُلَاعَنَةُ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ مِنْ حَرُمَتْ عَلَى التَّأْبِيدِ مُسْلِمَةً لَهَا أَبٌ كِتَابِيٌّ فَقَالَ لَا يَكُونُ مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِهَا إِذَا خَلَا بِهَا وَمَنْ قَالَ إِنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لَهَا يَحْتَاجُ أَنْ يَزِيدَ فِي هَذَا الضَّابِطِ مَا يُدْخِلُهُ وَقَدْ روى سعيد بن مَنْصُور من حَدِيث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِمَا إِذَا كَانَا فِي قَافِلَةٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا وَحْدَهُمَا فَلَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِي آخر حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذَا مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَحْرَمِ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمَحْرَمَ فَقَالَ الْقَائِلُ إِنَّ امْرَأَتِي حَاجَّةٌ فَكَأَنَّهُ فَهِمَ حَالَ الزَّوْجِ فِي الْمَحْرَمِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا فَهِمَهُ بَلْ قِيلَ لَهُ اخْرُجْ مَعَهَا وَاسْتثنى بعض الْعلمَاء بن الزَّوْجِ فَكَرِهَ السَّفَرَ مَعَهُ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ فِي النَّاس قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْكَرَاهِيَةُ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّحْرِيمِ فَفِيهِ بُعْدٌ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّنْزِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ لَفْظَ لَا يَحِلُّ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةَ قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فِيهِ مَنْعُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ مَقَامَهُ فِي هَذَا كَالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ بِهِ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَحْرَمِ وَكَذَا فِي النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَ إِحْدَاهُنَّ مَحْرَمٌ وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِسَاءٍ مُفْرَدَاتٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُنَّ مَحْرَمًا لَهُ قَوْلُهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ وَلَا امْرَأَتِهِ وَلَا عَلَى تَعْيِينِ الْغَزْوَةِ الْمَذْكُورَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ إِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا أَيْ كَتَبَتْ نَفْسِي فِي أَسْمَاءِ مَنْ عُيِّنَ لِتَلِكَ الْغَزَاةِ قَالَ بن الْمُنِيرِ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا تَأَخَّرَ الرَّجُلُ مَعَ رُفْقَتِهِ الَّذِينَ عُيِّنُوا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ حَجُّوا قَبْلَ ذَلِكَ مَعَ مَنْ حَجَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ أَنَّ الْجِهَادَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَى الْمَذْكُورِينَ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ كَمَا لَوْ نَزَلَ عَدُوٌّ بِقَوْمٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ وَيَتَأَخَّرُ الْحَجُّ اتِّفَاقًا قَوْلُهُ اخْرُجْ مَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ السَّفَرَ مَعَ امْرَأَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَالْوَلِيِّ فِي الْحَجِّ عَنِ الْمَرِيضِ فَلَوِ امْتَنَعَ إِلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَهَا لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا فَصَارَ فِي حَقِّهَا كَالْمُؤْنَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَلَهَا مَالٌ وَلَا يَأْذَنُ لَهَا فِي الْحَجِّ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ عَمَلًا بِالْحَدِيثين وَنقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ

الصفحة 77