كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وبن أبي ذِئْب وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذر وبن نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إِنَّهُ الْأَقْيَسُ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ فِيهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ كَمَا فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَقِيلَ الْجَزَاءُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ أَخْذُ السَّلَبِ لِحَدِيثٍ صَحَّحَهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَفِي رِوَايَةِ لِأَبِي دَاوُدَ مَنْ وَجَدَ أَحَدًا يَصِيدُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَلْيَسْلُبْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ قُلْتُ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مَعَهُ وَبَعْدَهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ وَلِمَنْ قَالَ بِهِ اخْتِلَافٌ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَمَصْرِفِهِ وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ وَأَنَّهُ لِلسَّالِبِ لَكِنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَأَغْرَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ السَّلْبِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى نَسْخِ أَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَرْدُودَةٌ فَبَطَلَ مَا ترَتّب عَلَيْهَا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ سَعْدٍ لَمْ يَكُنْ فِي نَسْخِ أَخْذِ السَّلَبِ مَا يُسْقِطُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَيَجُوزُ أَخْذُ الْعَلَفِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلَفٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَسَّانَ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي مَقْصُورٌ عَلَى الْقَطْعِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِفْسَادُ فَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ الْإِصْلَاحَ كَمَنْ يَغْرِسُ بُسْتَانًا مَثَلًا فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ قَطْعُ مَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَالَ وَقِيلَ بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّجَرِ مِمَّا لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِيهِ كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْ قَطْعِ شَجَرِ مَكَّةَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَطْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ وَجَعْلُهُ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّسْخُ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَنَحْوُهُ عِنْدَهُ عَنْ سَعْدٍ قَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا زَادَ شُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةٌ إِلَّا أَنَّ عَاصِمًا لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ فِيهِ جَوَازُ لَعْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ لَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى لَعْنِ الْفَاسِق الْمعِين وَفِيه أَن الْمُحدث والمؤوى لِلْمُحْدِثِ فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ وَالْمُحْدِثِ الظُّلْمُ وَالظَّالِمُ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْمُرَادُ بِلَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هُوَ كَلَعْنِ الْكَافِرِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَوْرَدَ مِنْهُ طَرَفًا وَقَدْ مَضَى فِي الصَّلَاةِ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ بَيَّنْتُ الْمُرَادَ بِإِيرَادِهِ هُنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قبل التَّحْرِيم وَالله أعلم الحَدِيث الثَّالِث

[1869] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخُوهُ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَسُلَيْمَانُ وَهُوَ بن بِلَالٍ وَقَدْ سَمِعَ إِسْمَاعِيلُ مِنْهُ وَرَوَى كَثِيرًا عَنْ أَخِيهِ عَنْهُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هَكَذَا وَقَالَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ زَادَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ حُرِّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ أَوَّلِ حُرِّمَ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي حَرَّمَ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ خبر مقدم وَمَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ الْمُبْتَدَأُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى لِسَانِي مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ وَنَحْوُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي اللَّابَتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا

الصفحة 84