كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

سِمَاكٍ بِلَفْظِ كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَابَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّابُ وَالطِّيبُ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاشْتِقَاقُهُمَا مِنَ الشَّيْءِ الطَّيِّبِ وَقِيلَ لِطَهَارَةِ تُرْبَتِهَا وَقِيلَ لِطِيبِهَا لِسَاكِنِهَا وَقِيلَ مِنْ طِيبِ الْعَيْشِ بِهَا وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي طِيبِ تُرَابِهَا وَهَوَائِهَا دَلِيلٌ شَاهِدٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ بِهَا يَجِدُ مِنْ تُرْبَتِهَا وَحِيطَانِهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا تَكَادُ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَلِيٍّ الصَّدَفِيِّ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِخَطِّهِ قَالَ الْحَافِظُ أَمْرُ الْمَدِينَةِ فِي طِيبِ تُرَابِهَا وَهَوَائِهَا يَجِدُهُ مَنْ أَقَامَ بِهَا وَيَجِدُ لِطِيبِهَا أَقْوَى رَائِحَةٍ وَيَتَضَاعَفُ طِيبُهَا فِيهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ وَكَذَلِكَ الْعُودُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَلِلْمَدِينَةِ أَسْمَاءٌ غَيْرُ مَا ذُكِرَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَدِينَةِ عَشْرَةُ أَسْمَاءٍ هِيَ الْمَدِينَةُ وَطَابَةُ وَطَيْبَةُ وَالْمُطَيَّبَةُ وَالْمِسْكِينَةُ وَالدَّارُ وَجَابِرَةُ وَمَجْبُورَةُ وَمُنِيرَةُ وَيَثْرِبُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ لِلْمَدِينَةِ عَشْرَةَ أَسْمَاءٍ هِيَ الْمَدِينَةُ وَطَيْبَةُ وَطَابَةُ وَالْمُطَيَّبَةُ وَالْمِسْكِينَةُ وَالْمِدْرَى وَالْجَابِرَةُ وَالْمَجْبُورَةُ وَالْمُحَبَّبَةُ وَالْمَحْبُوبَةُ وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيق بن أَبِي يَحْيَى مِثْلَهُ وَزَادَ وَالْقَاصِمَةُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِلْمَدِينَةِ يَا طَيْبَةُ وَيَا طَابَةُ وَيَا مِسْكِينَةُ لَا تَقْبَلِي الْكُنُوزَ أَرْفَعُ أَجَاجِيرَكِ عَلَى الْقُرَى وَرَوَى الزُّبَيْرُ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ سَمَّى اللَّهُ الْمَدِينَةَ الدَّارَ وَالْإِيمَانَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ بَلغنِي أَن لَهَا أَرْبَعِينَ اسْما

(قَوْلُهُ بَابُ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ أَيْ تَسْعَى أَوْ تَرْعَى بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا أَيْ مَا قَصَدْتُ أَخْذَهَا فَأَخَفْتُهَا بِذَلِكَ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ عَدَمِ صَيْدِهَا وَاسْتَدَلَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَيِ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْمَدِينَةُ لِأَنَّهَا بَيْنَ لَابَتَيْنِ شَرْقِيَّةٍ وَغَرْبِيَّةٍ وَلَهَا لَابَتَانِ أَيْضًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ الْآخَرَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ لِاتِّصَالِهِمَا بِهِمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ دُورِهَا كُلِّهَا دَاخِلُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ تَرْتَعُ أَيْ تَرْعَى وَقِيلَ تَنْبَسِطُ وَفِي قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي لَا ينفر صيدها وَنقل بن خُزَيْمَةَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ فِي صَيْدِ الْمَدِينَة بِخِلَاف صيد مَكَّة

الصفحة 89