كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 4)

الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّعَلُّمِ مِنْهُ وَفِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّلَاةِ فِي مَسْجده وَالتَّبَرُّكُ بِمُشَاهَدَةِ آثَارِهِ وَآثَارِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ كَانَ هَذَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَرْنِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ خَاصَّةً وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَلَامَتِهِمْ مِنَ الْبِدَعِ وَأَنَّ عَمَلَهُمْ حُجَّةٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ اه وَهَذَا إِنْ سَلِمَ اخْتُصَّ بِعَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَانْتِشَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْبِلَاد وَلَا سِيمَا فِي أَو اخر الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا فَهُوَ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ ذَلِك

(قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ)
أَيْ أَرَادَ بِأَهْلِهَا سُوءًا وَالْكَيْدُ الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ فِي المساءة

[1877] قَوْله أخبرنَا الْفضل هُوَ بن مُوسَى والجعيد هُوَ بن عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة بنت سعد أَي بن أَبِي وَقَّاصٍ قَالَتْ سَمِعْتُ سَعْدًا تَعْنِي أَبَاهَا قَوْلُهُ إِلَّا انْمَاعَ أَيْ ذَابَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعْدٍ جَمِيعًا فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَفِي هَذِهِ الطَّرِيقِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْقُطْبِ الْحَلَبِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ نَعَمْ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ إِشْكَالَ الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَتُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ فِي الْآخِرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ أَرَادَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُوءٍ اضْمَحَلَّ أَمْرُهُ كَمَا يَضْمَحِلُّ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ فَيَكُونُ فِي اللَّفْظِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الدُّنْيَا بِسُوءٍ وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بَلْ يَذْهَبُ سُلْطَانُهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا وَقَعَ لِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ عُوجِلَ عَنْ قُرْبٍ وَكَذَلِكَ الَّذِي أَرْسَلَهُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ كَادَهَا اغْتِيَالًا وَطَلَبًا لِغِرَّتِهَا فِي غَفْلَةٍ فَلَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرٌ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى ذَلِكَ جِهَارًا كَمَا اسْتَبَاحَهَا مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ رَفَعَهُ مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظَالِمًا لَهُمْ أَخَافَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ حِبَّانَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابر

الصفحة 94