كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 4)

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
(قل هل أنبئكم بشر من ذلك) بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالتعييب وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه، والمعنى هل أنبئكم أيها اليهود بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون بنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم.
(مثوبة عند الله) أي جزاء ثابتاً وهي مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر، ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة (فبشرهم بعذاب أليم) وهي منصوبة على التمييز من بشر (من لعنه الله) أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله (وغضب عليه) أي: انتقم منه لأن الغضب إرادة الإنتقام من العصاة.
(وجعل منهم القردة والخنازير) أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة، وكفار مائدة عيسى منهم خنازير (¬1)، وقال ابن عباس إن الممسوخين كلاهما أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير (وعبد الطاغوت) أي: جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت، والمعنى وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، لأن فعل من صيغ البالغة كحذر وفطن للتبليغ في الحذر والفطنة، وقرئ على أن عبد فعل ماض معطوف على غضب ولعن كأنه
¬_________
(¬1) رواه مسلم 4/ 2051 وأحمد 5/ 260.

الصفحة 7