كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 4)
(والله أعلم بما كانوا يكتمون) عنك من الكفر والنفاق، وفيه وعيد شديد وهؤلاء هما المنافقون وقيل: هم اليهود الذين قالوا (آمنوا بالّذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخرهُ).
(وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم) الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح له، والضمير في (منهم) عائد إلى المنافقين أو اليهود أو إلى الطائفتين جميعاً، وجملة يسارعون في محل النصب على الحال على أن الرؤية بصرية أو هو مفعول ثان لترى على أنها قلبية، والمسارعة في الشيء المبادرة إليه والإثم الكذب أو الشرك أو الحرام.
(والعدوان) هو الظلم المتعدي إلى الغير أو مجاوزة الحد في الذنوب (وأكلهم السّحت) هو الحرام، فعلى قول من فسر الإثم بالحرام يكون تكريره للمبالغة (لبئس ما كانوا يعملون) من المسارعة إلى الإثم والعدوان وأكل السحت وهو الرشا وما كانوا يأكلونه من غير وجهه.
(لولا) أي هلا، وهي هنا للتحضيض والتوبيخ لعلمائهم وعمادهم عن تركهم النهي عن المنكر (ينهاهم الربانيون والأحبار) قال الحسن: الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وقيل: الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم (عن قولهم الإثم) يعني الكذب (وأكلهم السحت) أي: الرشا والحرام (لبئس ما كانوا يصنعون) أي: الأحبار والرهبان إذا لم ينهوا غيرهم عن المعاصي.
وهذا فيه زيادة على قوله (لبئس ما كانوا يعملون) لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه، ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جوّد عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل، فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعلي المعاصي.
الصفحة 8
460