كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 4)

داود الظاهري وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
واسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَبِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ ضَرَبَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي أَثَرِ عَلِيٍّ هَذَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلْمُحْصَنِ مِنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ الْمُحْصَنُ بَلْ يُرْجَمُ فَقَطْ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْلِدْ مَاعِزًا بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِهِ
قَالُوا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَلْدِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ التَّأَخُّرِ الْمُدَّعَى فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُ جَلْدِ مَاعِزٍ لِلنَّسْخِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّأَخُّرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
ومَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ تَأَخُّرِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ مُقْتَضِيًا لِإِبْطَالِ الْجَلْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى
ولَا رَيْبَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُحْصَنِ أَنَّهُ زَانٍ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ كَحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ
ولَا سِيَّمَا وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ بِأَخْذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْهُ فَقَالَ خُذُوا عَنِّي
فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بَعْدَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِسُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ أَوْ عَدَمِ بَيَانِهِ لِذَلِكَ أَوِ إِهْمَالِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ
قَالَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَلَا سِيَّمَا كَوْنُ الْمَكَانِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ الْجَلْدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قَالَ وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّةٍ مِنَ السِّنِينَ لَمَّا جَمَعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ
فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهُ النَّاسِخُ وَعَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ
واسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِعَدَمِ ذِكْرِ الْجَلْدِ فِي رَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ
لِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لِقِيَامِ

الصفحة 587