كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 4)
فَامْتنعَ السُّلْطَان من تَسْلِيمه لَهُم خوفًا من أَن يقتلوه وَلم تزل قُضَاة العساكر يَتَرَدَّدُونَ لهَؤُلَاء الْجَمَاعَة لدفع هَذِه الْفِتْنَة فَلم يقدروا فرجموهم واستمروا واقفين مصرين حَتَّى هجم عَلَيْهِم من الدَّاخِل بعض الصّبيان وساعدهم من وجد من القواد وخدمة الدِّيوَان واستمروا يضربونهم ويرجمونهم بِالْحِجَارَةِ فازدحموا عِنْد خُرُوجهمْ من الْبَاب الوسطانى حَتَّى تراكم بَعضهم على بعض بَين الْبَابَيْنِ واستد الْبَاب فَكَانَ النَّاس يَمْشُونَ عَلَيْهِم فَقتل مِنْهُم وَمن المتفرجين نَحْو من مائَة وَسَبْعَة عشر انسانا فَأمر السُّلْطَان بالقاء أَجْسَادهم فى الْبَحْر وَسلم الدفترى الْمَذْكُور وفى هَذِه السّنة عين الْوَزير سِنَان باشا لمحاربة كفار المجر وَأرْسل العساكر فَفتح تِلْكَ السّنة قلعة بستريم وقلعة طاطا وشتى بِمَدِينَة بلغراد وفى السّنة الثَّانِيَة فتح قلعة قرَان بِضَم الْقَاف وقلعة يانق وهى من أحصن القلاع وأصعبها قد أحَاط بهَا المَاء وهى مَدِينَة مَاتَت الْمُلُوك بحسرتها لحصانتها ومنعتها ومتانتها وَكَانَ فتحهَا عِنْد النَّصَارَى بِمَنْزِلَة الْمحَال لصعوبة مراقيها واستعلاء مراميها وَذَلِكَ بعد أَن نَالَ الْمُسلمين شدَّة عَظِيمَة قيل ان النَّصَارَى رموهم بالمدافع فجَاء مدفع بصنجق النبى
الذى صَحبه عَسْكَر الشَّام مَعَهم فكاد يسْقط فَتَلقاهُ رجل قبل السُّقُوط فَلم يسْقط ثمَّ بعد أَيَّام لما اشْتَدَّ بهم الْحصار سلط الله عَلَيْهِم مَوتَانا فَجعلُوا يموتون فى مدينتهم من غير قتال فَسَلمُوا الْمَدِينَة للْمُسلمين فَدَخَلُوهَا فوجدوها قد جافت من الْمَوْتَى وسر الْمُسلمُونَ بذلك سروا عَظِيما وَهَذِه جملَة الوقائع الَّتِى وَقعت فى زمن السُّلْطَان صَاحب التَّرْجَمَة وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ سعيد البخت وَكَانَت أَيَّام سلطنته معتدلة غَايَة الِاعْتِدَال وَالْعُلَمَاء والسادات فِيهَا مكرمون وَقد كثر فى زَمَنه الْعلمَاء وَكَانَ محبا لجمع الْكتب مَعَ حسن مطالعتها وَله أدب باهر وَشعر بليغ وَكَانَ غَايَة فى التَّوَاضُع والاستكانة لله تَعَالَى حكى النَّجْم عَن الْخَطِيب أَحْمد بن النعيمى الدمشقى خطيب أيا صوفيا بقسطنطينية أَنه كَانَ فى حَضْرَة السُّلْطَان مُرَاد حِين دخل قسطنطينية بعض أقَارِب سُلْطَان الْعَجم لطلب الْمُصَالحَة وَقد أَمر السُّلْطَان أَن تعرض عَلَيْهِ عساكره مارين عَلَيْهِ بَين يدى الاعجام على وَجه الِاسْتِيفَاء وَجلسَ فى مَكَان لَهُ على كرسيه وَبَين يَدَيْهِ شيخ الاسلام الْمُفْتى والخوجه ونقيب الاشراف وامامه وخطيب أيا صوفية وَهُوَ الْمُحدث قَالَ فعرضت عَلَيْهِ العساكر من أول النَّهَار الى وَقت الظّهْر فى موكب عَظِيم قَالَ فَرَأَيْنَا السُّلْطَان قد بَكَى وانتحب وخر عَن
الصفحة 353