(اذا تليت مآثره بِأَرْض ... غَدا الْفلك الْمدَار بهَا طروبا)
قلت ولهذه القصيدة خبر عَجِيب أَحسب أَنى سمعته من فَم الامير وَذَلِكَ انه لما نظمها دَفعهَا لبَعض المتأدبين المقيمين بدار الْخلَافَة من أهل دمشق ليبيضها لَهُ بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط فَأخذ نسختها وبيضها ونسبها لنَفسِهِ وَدفعهَا الى البهائى فأعجب بهَا ونالت ذَلِك الرجل شَفَاعَته عِنْد قاضى الْعَسْكَر بِمنْصب فَحصل على طول واشتهر بِحسن الشّعْر وَقبُول البهائى وَكَانَ بعض أَصْحَاب الامير وقف على جلية الامر وَذكره لَهُ وَأَرَادَ أَن يظْهر زيف الرجل فَأَعْرض عَنهُ الامير وَقَالَ لَا نخيب من توسل بِنَا فى حَال وللرجل نصيب ناله على يدنا فَالله يمتعه ويزيده وَهُوَ غَايَة فى مَكَارِم الاخلاق رَجَعَ ثمَّ عزل البهائى وَأمر بِالْمَسِيرِ الى بعض القصبات الْقَرِيبَة وأعيد ثَانِيًا فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وأرخ عوده الاديب يُوسُف البديعى بقوله
(تشيد الْمجد بالمعالى ... وَصَارَ فى الارض كالسماء)
(والدهر قد سر قَالَ أرخ ... فتواى عَادَتْ الى البهائى)
وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رونق عُلَمَاء الدولة علما وكرما وسماحة ويحكى عَنهُ فى الْكَرم أَشْيَاء غَرِيبَة جدا مِنْهَا انه كَانَ يجود بِثَوْبِهِ الذى يستره كَمَا قيل وَقس عَلَيْهِ غَيره وَالْكَرم الى حد يذكر من قبيل الْمَعْدُوم فى الرّوم ولطف طبعه وظرفه مِمَّا يقْضى مِنْهُمَا بالعجب حَتَّى يرْوى أَنه كَانَ اذا جَاءَ رَمَضَان اسْتعْمل خادمين نَصْرَانِيين اشفاقا