كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

كأنه قيل قولوا لهم سألقى في قلوب الذين كفروا الرعبَ فاضرِبوا الخ فالضاربون هم المؤمنون وأما ما قيل من أن ذلك خطابٌ منه تعالى للمؤمنين بالذات على طريق التلوينِ فمبناه توهُّمُ ورودِه قبل القتالِ وأنّى ذلك والسورةُ الكريمة إنما نزلت بعد تمامِ الوقعة وقوله تعالى
{فَوْقَ الاعناق} أي أعاليَها التي هي المذابح أو الهامات
{واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} قيل البنانُ أطرافُ الأصابع من اليدين والرجلين وقيل هي الأصابعُ من اليدين والرجلين وقال أبو الهيثم البنان المفاصلُ وكلُّ مَفصِلٍ بنانه وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك يعني الأطرافَ أي اضرِبوهم في جميع الأعضاء من أعاليها إلى أسافلِها وقيل المرادُ بالبنان الأداني وبفوق الأعناق الأعالي والمعنى فاضرِبوا الصناديدَ والسَّفَلةَ وتكريرُ الأمر بالضرب لمزيد التشديد والاعتناء بأمره ومنهم متعلقٌ به أو بمحذوفٍ وقع حالا مما بعده
سورة الأنفال (13 14)
{ذلك} إشارة إلى ما أصابهم من العقاب وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته في الشدة والفظاعةِ والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب ومحلُّه الرفعُ على الابتداء وخبرُه قوله تعالى
{بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} أي ذلك العقابُ الفظيعُ واقعٌ عليهم بسبب مُشاقّتِهم ومغالبتِهم مَنْ لا سبيلَ إلى مغالبته أصلاً واشتقاقُ المشاقةِ من الشِّق لِما أنَّ كُلاًّ من المشاقين في شق خلاف شِقّ الآخر كما أن اشتقاقَ المُعاداةِ والمُخاصمة من العَدْوة والخَصْم أي الجانب لأن كلاًّ من المتعاديَيْن والمتخاصمَين في عَدوةٍ وخصمٍ غيرِ عدوةِ الآخر وخصمِه
{وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} الإظهار في موضع الإضمار لتربية المهابةِ وإظهار كمالِ شناعة ما اجترءوا عليه والإشعارِ بعلة الحُكم وقولُه تعالى
{فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} إمَّا نفسُ الجزاءِ قد حُذف منه العائدُ إلى مَنْ عندِ منْ يلتزمُهُ أي شديدُ العقابِ له أو تعليلٌ للجزاءِ المحذوفِ أي يعاقبْه الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقابِ وأيَّاً مَا كانَ فالشرطيةُ تكملةٌ لما قبلها وتقريرٌ لمضمونِهِ وتحقيقٌ للسببيةِ بالطريقِ البرهانيِّ كأنه قيل ذلك العقابُ الشديد بسببِ مشاقّتِهم لله تعالى ورسولِه وكلُّ من يشاقق الله ورسولَه كائناً مَنْ كان فلهُ بسببِ ذلكَ عقابٌ شديدٌ فإذن لهم بسبب مشاقّتِهم لهما عقابٌ شديد وأما أنه وعيدٌ لهم بما أَعدَّ لَهُم في الآخرةِ بعد ما حاقَ بهم في الدُّنيا كما قيل فيرده ما بعدَهُ منْ قولِه تعالى
{ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار} فإنه مع كونه هو المسوقَ للوعيد بما ذُكر ناطقٌ بكون المرادِ بالعقاب المذكورِ ما أصابهم عاجلاً سواءٌ جُعل ذلكم إشارةً إلى نفس العقابِ أو إلى ما تفيده الشرطيةُ من ثبوت العقابِ لهم أما على الأول فلأن الأظهرَ أن محلَّه النصبُ بمضمر يستدعيه قولُه تعالى فَذُوقُوهُ والواو في قوله تعالى وأن للكافرين الخ بمعنى مع فالمعنى باشروا ذلكم العقابَ الذي أصابكم فذوقوه عاجلاً مع أن لكم عذابَ النارِ آجلاً فوضْعُ الظاهرِ موضعَ الضميرِ لتوبيخهم بالكفر وتعليلِ الحُكم به وأما على الثاني فلأن الأقربَ أن محلُّه الرفعُ على أنه خبر مبتدأ محذوف وقولُه تعالى وَأَنَّ للكافرين الخ معطوفٌ عليه والمعنى حُكمُ الله ذلكم أي ثبوتُ هذا

الصفحة 11