كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

يوسف 39 40 وهدايتِهم إلى الحق وذلك مع كونه من مواجبات التوحيد ودواعيه نعمةٌ جليلةٌ وفضلٌ عظيم علينا بالذات
{وَعَلَى الناس} كافةً بواسطتنا وحيث عبّر عن ذلك بذلك العنوان عبّر عن التوحيد الذي يوجبه بالشكر فقيل
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يشكرون} أي لا يوحّدون فإن التوحيدَ مع كونه من آثار ما ذُكر من التَّأييدِ شكرٌ لله عز وجل على النعمةِ وإنما وضْعِ الظاهِرِ موضعَ الضَّميرِ الراجعِ إلى الناس لزيادة توضيحٍ وبيانٍ ولقطع توهمِ رجوعِه إلى المجموع المُوهمِ لعدم اختصاصِ غير الشاكرِ بالناس وقيل ذلك التوحيدُ من فضل الله علينا حيث نصَب لنا أدلةً ننظر فيها ونستدلّ بها على الحق وقد نصَب مثلَ تلك الأدلةِ لسائر الناس أيضاً ولكن أكثرَهم لا ينظرون ولا سيتدلون بها اتّباعاً لأهوائهم فيبقَوْن كافرين غيرَ شاكرين ولك أن تقول ذلك التوحيدُ من فضل الله علينا حيث أعطانا عقولاً ومشاعرَ نستعملها في دلائلِ التوحيد التي مهدها في الأنفسِ والآفاقِ وقَد أعطى سائرَ الناس أيضاً مثلها ولكن أكثرَهم لاَ يَشْكُرُونَ أي لا يصرِفون تلك القُوى والمشاعرَ إلى ما خُلِقت هي له ولا يستعملونها فيما ذكر من أدلة التوحيدِ الآفاقيةِ والأنفُسية والعقليةِ والنقلية
{يا صاحبي السجن} أي يا صاحبيَّ في السجن كما تقول يا سارق الليلةِ ناداهما بعنوان الصحبة في مدار الأشجانِ ودارِ الأحزان التي تصفو فيها المودةُ وتخلُص النصيحةُ ليُقبِلا عليه ويَقبَلا مقالتَه وقد ضرب لهما مثلاً يتضح به الحقُّ عندهما حقَّ اتضاحٍ فقال
{أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ} لا ارتباطَ بينهم ولا اتفاقَ يستعبدُ كما كلٌّ منهم حسبما أراد غيرَ مراقب للآخَرين مع عدم استقلاله
{خَيْرٌ} لكما
{أَمِ الله} المعبودُ بالحق
{الواحد} المتفرد بالألوهية
{القهار} الغالبُ الذي لا يغالبه أحدٌ وبعد ما نبه ما على فساد تعددِ الأرباب بين لهما سقوطَ ألهتِهما عن درجة الاعتبار رأساً فضلاً عن الألوهية فقال معمّماً للخطاب لهما ولمن على دينهما
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ} أي من دون الله شيئاً
{إِلاَّ أَسْمَاءً} فارغةً لا مطابقَ لها في الخارج لأن ما ليس فيه مصداقُ إطلاقِ الاسم عليه لا وجودَ له أصلاً فكانت عبادتُهم لتلك الأسماء فقط
{سَمَّيْتُمُوهَا} جعلتموها أسماءً وإنما لم يَذكُر المسمَّياتِ تربيةً لما يقتضيه المقامُ من إسقاطها عن مرتبة الوجودِ وإيذاناً بأن تسميتهم في البطلان حيث كانت بلا مسمّى كعبادتهم حيث كان بلا معبود
{أنتم وآباؤكم} بمحض جهلِكم وضلالتِكم
{مَّا أَنزَلَ الله بِهَا} أي بتلك التسميةِ المستتبِعة للعبادة
{مّن سلطان} من حجة تدل على صحتها
{إِنِ الحكم} في أمر العبادة المتفرعةِ على تلك التسمية
{إلا الله} عز سلطانُه لأنه المستحقُّ لها بالذات إذ هوالواجب بالذات الموجدُ للكل والمالكُ لأمره
{أمر} استنئاف مبني على سؤال ناشىءٍ من قوله إن الحكم إلا لله فكأنه قيل فماذا حكم الله في هذا الشأن فقيل أمر على ألسنة الأنبياءِ عليهم السلام
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ} أي بأنْ لاَّ تَعْبُدُواْ
{إِلاَّ إياه} حسبما

الصفحة 278