كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

يوسف الآية (48 49)
{ثُمَّ يَأْتِى} وهو عطفٌ على تزرعون فلا وجه لجعله بمعنى الأمر حثاً لهم على الجد والمبالغة في الزراعة على أنه يحصل بالإخبار بذلك أيضاً
{مِن بَعْدِ ذلك} أي من بعد السنين السبعِ المذكوراتِ وإنما لم يقُلْ من بعدهن قصداً إلى الإشارة إلى وصفهن فإن الضمير ساكتٌ عن أوصاف المرجعِ بالكلية
{سَبْعٌ شِدَادٌ} أي سبعُ سنينَ صعابٌ على الناس
{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} من الحبوب المتروكةِ في سنابلها وفيه تنبيهٌ على أن أمرَه عليه السلام بذلك كان لوقت الضرورة وإسنادُ الأكل إليهن مع أنه حالُ الناس فيهن مجازيٌّ كما في نهارُه صائمٌ وفيه تلويحٌ بأنه تأويلٌ لأكل العجافِ السمانَ واللام في لهن ترشيحٌ لذلك فكأن ما ادُّخر في السنابل من الحبوب شيءٌ قد هُيِّيء وقُدِّم لهن كالذي يقدَّم للنازل وإلا فهو في الحقيقة مقدَّمٌ للناس فيهن
{إِلاَّ قَلِيلاً مّمَّا تحصنون} تحرزون مبذور الزراعة
{ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك} أي من بعد السنين الموصوفةِ بما ذكرَ من الشدة وأكلِ الغلال المدخر
{عَامٌ} لم يعبّر عنه بالسنة تحاشياً عن المدلول الأصليِّ لها من عام القحط وتنبيهاً منْ أولِ الأمرِ عَلى اختلاف الحالِ بينه وبين السوابق
{فِيهِ يُغَاثُ الناس} من الغيث أي يُمطَرون يقال غِيثت البلادُ إذا مُطرت في وقت الحاجة أو من الغوث يقال أغاثنا الله تعالى أي أمدنا برفع المكاره حين أظلّتنا
{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي ما مِنْ شأنِه أن يُعصر من العنب والقصَب والزيتون والسمسم ونحوِها من الفواكة لكثرتها والتعرضُ لذكر العصر مع جواز الاكتفاءِ عنه بذكر الغيث المستلزمِ له عادة كما اكتُفي به عن ذكر تصرِفهم في الحبوب إما لأن استلزامَ الغيثِ له ليس كاستلزامه للحبوب إذ المذكرات يتوقف صلاحُها على مبادٍ أخرى غيرِ المطر وإما لمراعاة جانبِ المستفتي باعتبار حالتِه الخاصة به بشارةً له وهي التي يدور عليها حسنُ موقع تغليبِه على الناس في القراءة بالفوقانية وقيل معنى يعصرون يحلبون الضروعَ وتكريرُ فيه إما للإشعار باختلاف أوقاتِ ما يقع فيه من الغيث والعصر زماناً وهو ظاهرٌ وعنواناً فإن الغيثَ والغوثَ من فضل الله تعالى والعصرُ من فعل الناس وإما لأن المقام مقامُ تعداد منافعِ ذلك العام ولأجله قُدّم في الموضعين على الفعلين فإن المقصودَ الأصليَّ بيان أنه يقع في ذلك العام هذا النفعُ وذاك النفعُ لا بيانُ أنهما يقعان في ذلك العام كما يفيده التأخير ويجوز أن يكون التقديمُ للقصر على معنى أن غيثهم وعصرَهم في سائر السنين بمنزلة العدمِ بالنسبة إلى عامهم ذلك وأن يكون ذلك في الأخير لمراعات الفواصلِ وفي الأول لرعاية حالِه وقرىء يُعصَرون على البناءِ للمفعولِ من عصره إذا أنجاه وهو المناسبُ للإغاثة ويجوز أن يكون المبنيُّ للفاعل أيضاً منه كأنه قيل فيه يغاث الناسُ وفيه يُغيثون أي يغيثهم الله ويغيثُ بعضُهم بعضاً وقيل معنى يُعصَرون يمطَرون من أعصرت السحابةُ إما بتضمين أعصرت معنى مطرَت وتعديتِه وإما بحذفِ الجارِّ وإيصالِ الفعلِ على أن الأصلَ أعصرت عليهم وأحكامُ هذا العام المبارك ليست مستنبَطةً من رؤيا الملكِ وإنما تلقاها عليه السلام من جهة الوحي فبشَّرهم بها بعد ما أول

الصفحة 283