كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

يوسف الآية (78 79 80) مبني على سؤال نشأ من الإخبار بالإسرار المذكور كأنَّه قيلَ فماذَا قالَ في نفسه في تضاعيف ذلك الإسرارِ فقيل قال
{أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} أي منزلةً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفِقتم تفترون على البريء وقيل بدل من أسرها والضمير للمقالة المفسرة بقوله أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً
{والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} أي عالمٌ علماً بالغاً إلى أقصى المراتب بأن الأمرَ ليس كما تصفون من صدور السرقةِ منا بل إنما هو افتراءٌ علينا فالصيغةُ لمجرد المبالغة لا لتفضيل علمه عز وجل على علمهم كيف لا وليس لهم بذلك من علم
{قَالُواْ} عندما شاهدوا مخايلَ أخذ بنيامين مستطفين
{يا أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا} لم يريدوا بذلك الإخبارَ بأن له أبا فإن ذلك معلومٌ مما سبق وإنما أرادوا الإخبار بأن له أباً
{شَيْخًا كَبِيرًا} في السن لا يكاد يستطيع فراقَه وهو عَلالةٌ به يتعلل عن شقيقه الهالك
{فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة
{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانَك بهذه التتمة أو المتعوّدين بالإحسان فلا تغيّر عادتك
{قَالَ مَعَاذَ الله} أي نعوذ بالله معاذاً من
{أَن نَّأْخُذَ} فحُذف الفعلُ وأُقيم مُقامَه المصدرُ مضافاً إلى المفعول به بعد حذفِ الجارِّ
{إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} لأن أخْذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلالُ بموجبها وإيثارُ صيغة التكلم مع الغير مع كون الخطابِ من جانب إخوتِه على التوحيد من باب السلوكِ إلى سنن الملوك أو للإشعار بأن الأخذَ والإعطاءَ ليس مما يُستبدّ به بل هو منوطٌ بآراء أولي الحلِّ والعقد وإيثارُ مَنْ وجدنا متاعنا عنده دون سرق متاعنا لتحقيق الحقِّ والاحتراز عن الكذب في الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحمِلون وُجدان الصُّواعِ في الرحل على محمل غيرِ السرقة
{إِنَّا إِذَاً} أي إذا أخذنا غيرَ من وجدنا متاعنا عنده ولو برضاه
{لظالمون} في مذهبكم وما لنا ذلك وهذا المعنى هو الذي أريد بالكلام في أثناء الحوارِ وله معنى باطنٌ هو أن الله عز وجل إنما أمرني بالوحي أن آخذَ بنيامينَ لمصالحَ علمها الله في ذلك فلو أخذتُ غيرَه كنت ظالماً وعاملاً بخلاف الوحي
{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} أي يئسوا من يوسف وإجباته لهم أشدَّ يأس بدِلالة صيغة الاستفعال وإنما حصَلت لهم هذه المرتبةُ من اليأس لِما شاهدوه من عَوْذه بالله مما طلبوه الدالِّ على كون ذلك عنده في أقصى مراتب الكراهةِ وأنه مما يجب أن يُحترز عنه ويُعاذَ منه بالله عز وجل ومن تسميته ظلماً بقوله إِنَّا إِذًا لظالمون
{خَلَصُواْ} اعتزلوا وانفردوا عن الناس
{نَجِيّاً} أي ذوي نجوى على أن يكون بمعنى النجوى والتناجي أو فوجاً نجياً على أن يكون بمعنى المناجي كالشعير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر

الصفحة 299