كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

يوسف آية (90 91 92) على قفاه ليُقتل ففداه الله تعالى وأما أنا فكان لي ابنٌ وكان أحبَّ أولادي إلىّ فذهب به إخوتُه إلى البرية ثم أتَوْني بقميصه ملطخاً بالدم فقالوا قد أكله الذئبُ فذهبت عيناي من بكائي عليه ثم كان لي ابنٌ وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا إنه سرَق وأنك حبستَه وإنا أهلُ بيت لا نسرِق ولا نلد سارقاً فإن رددتَه عليَّ وإلا دعوتُ عليك دعوةً تُدرك السابعَ من ولدَك والسلام فلما قرأه لم يتمالكْ وعيل صبرُه فقال لهم ما قال وقيل لما قرأه بكى وكتب الجواب اصبِر كما صبروا تظفرْ كما ظفِروا
{قالوا أئنك لأَنتَ يُوسُفُ} استفهامُ تقريرٍ ولذلك أكدوه بأن واللام قالوه استغراباً وتعجباً وقرىء إنك بالإيجاب قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به وقيل تبسم فعرفوه بثناياه وقيل رفع التاجَ عن رأسه فرأوا علامةً بقَرنه تشبه الشامة البيضاء وكان لسارةَ ويعقوبَ مثلُها وقرىء أئنك أو أنت يوسف على معنى أئنك يوسف أو أنت يوسف فحُذف الأولُ لدِلالة الثاني عليه وفيه زيادةُ استغراب
{قَالَ أَنَاْ يوسف} جوابا عن مسئلتهم وقد زاد عليه قوله
{وهذا أَخِى} أي من أبويّ مبالغةً في تعريف نفسه وتفخيماً لشأن أخيه وتكملةً لما أفاده قوله هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه حسبما يفيده قولُه
{قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا} فكأنه قال هل علمتم ما فعلتم بنا من التفريق والإذلالِ فأنا يوسفُ وهذا أخي قد منّ الله علينا بالخلاص عما ابتُلينا به والاجتماعِ بعد الفُرقةِ والعزة بعد الذِلة والأُنس بعد الوحشة ولا يبعُد أنْ يكونَ فيه إشارةٌ إلى الجواب عن طلبهم لرد بنيامين بأنه أخي لا أخوكم فلا وجهَ لطلبكم ثم علل ذلك بطريق الاستئناف التعليلي بقوله
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} أي يفعل التقوى في جميع أحوالِه أو يقِ نفسه عما يوجب سخطَ الله تعالى وعذابه
{وَيِصْبِرْ} على المحن أو على مشقة الطاعاتِ أو عن المعاصي التي تستلذها النفس
{فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي أجرهم وإنما وُضع المظهرُ موضعَ المضمرِ تنبيهاً على أن المنعوتين بالتقوى والصبر موصوفون بالإحسان
{قَالُواْ تالله لَقَدْ اثَرَكَ الله عَلَيْنَا} اختارك وفضلك علينا بما ذكرت من النعوت الجليلة
{وَإِن كُنَّا} وإن الشأن كنا
{لخاطئين} لمتعمِّدين للذنب إذ فعلنا بك ما فعلنا ولذلك أعزك وأذلنا وفيه إشعارٌ بالتوبة والاستغفار ولذلك
{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ} أي لا عتْبَ ولا تأنيب
{عَلَيْكُمْ} وهو تفعيل من الثرب وهو الشحمُ الغاشي للكرِش ومعناه إزالته كما أن التجليد إزالةُ الجلد والتقريعُ إزالة القرع لأنه إذا ذهب كان ذلك غايةَ الهُزال فضرب مثلاً للتقريع الذي يذهب بماء الوجوه وقوله عز وعلا
{اليوم} منصوب بالتثريب أو بالمقدر خبرا للاأى لا أثر بكم أو لا تثريبَ مستقرٌ عليكم اليوم الذي هو مظنةٌ له فما ظنُّكم بسائر الأيام

الصفحة 304