كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

الماضيةِ لاستحضار صورتِها وقوله تعالى
{أَنَّهَا لَكُمْ} بدلُ اشتمالٍ من إحدى الطائفتين مُبينٌ لكيفية الوعدِ أي يعدكم أن إحدى الطائفتين كائنةٌ لكم مختصّةٌ بكم مسخّرةٌ لكم تتسلطون عليها تسلّطَ الُملاّكِ وتتصرفون فيهم كيف شئتم
{وَتَوَدُّونَ} عطفٌ على يعدكم داخلٌ تحت الأمرِ بالذكر أي تحبون
{أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ} من الطائفتين لا ذاتَ الشوْكةِ وهي النفيرُ ورئيسُهم أبو جهلٍ وهم ألفُ مقاتلٍ وغيرُ ذاتِ الشَّوكة هي العِيرُ إذ لم يكن فيها إلا أربعون فارساً ورأسُهم أبو سفيانَ والتعبيرُ عنهم بهذا العنوانِ للتنبيه على سبب ودادتهم لملاقاتهم وموجبِ كراهتِهم ونفرتِهم عن موافاة النفيرِ والشوْكةُ الحدة مستعارةٌ من واحدة الشَّوْك وشوك القنا شباها
{وَيُرِيدُ الله} عطفٌ على تودّون منتظمٌ معه في سلك التذكيرِ ليُظهِرَ لهم عظيمَ لطفِ الله بهم مع دناءة هِممِهم وقصور آرائِهم أي اذكُروا وقت وعِده تعالى إياكم إحدى الطائفتين وودادتِكم لأدناهما وإرادتَه تعالى لأعلاهما وذلك قولُه تعالى
{إِنَّ يُحِقَّ الحَقَّ} أي يُثْبِتَه ويُعلِيَه
{بكلماته} أي بآياته المنزلةِ في هذا الشأن أو بأوامره للملائكة بالإمداد وبما قضَى من أسرهم وقتلهم وطرحِهم في قليب بدر وقرئ بكلمته
{وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} أي آخِرَهم ويستأصِلَهم بالمرة والمعنى أنتم تريدون سَفْسافَ الأمور والله عز وعلا يريد معالِيَها وما يرجِعُ إلى علو كلمةِ الحقِّ وسموِّ رتبةِ الدين وشتان بين المرادين وقوله تعالى
الأنفال (9 8)
{لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} جملةٌ مستأنفةٌ سيقت لبيان الحِكمةِ الداعيةِ إلى اختيار ذاتِ الشوكة ونصرِهم عليها مع إرادتهم لغيرها واللامُ متعلقةٌ بفعل مقدر مؤخر عنها أي لهذه الغايةِ الجليلةِ فعلَ ما فعَل لا لشيء آخرَ وليس فيه تكرارٌ إذ الأولُ لبيان تفاوتِ ما بين الإرادتين وهذا لبيان الحِكمةِ الداعية إلى ما ذكر ومعنى إحقاقِ الحقِّ إظهارُ حقّيتِه لا جعلُه حقاً بعد أن لم يكن كذلك وكذا حال إبطال الباطل
{وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} أي المشركين ذلك أي إحقاق الحق وإبطال الباطل
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} بدلٌ من إذ يعدكم معمولٌ لعامله فالمراد تذكيرُ استمدادِهم منه سبحانه والتجائِهم إليه تعالى حين ضاقتْ عليهم الحيلُ وعيَّت بهم العلل وإمدادُه تعالى حينئذ وقيل متعلقٌ بقوله تعالى ليحق الحق على الظرفية وما قيل من أن قوله تعالى ليُحِق مستقبلٌ لأنه منصوبٌ بأن فلا يمكن عمله في إذ لأنه ظرف لما مضى ليس بشيء لأن كونَه مستقبَلاً إنما هو بالنسبة إلى زمان ما هو غاية له من الفعل المقدرِ لا بالنسبة إلى زمان الاستغائة حتى لا يعملَ فيه بل هما في وقت واحد إنما عبّر عن زمانها بإذ نظراً إلى زمان النزولِ وصيغةُ الاستقبالِ في تستغيثون لحكاية الحالِ الماضيةِ لاستحضار صورتِها العجيبة وقيل متعلقٌ بمضمر مستأنف أي ذكروا وقت استغاثتِكم وذلك أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال جعلوا يدعون الله تعالى قائلين أيْ ربُّ انصُرنا على عدوك ياغياث المستغيثين أغِثْنا وعن عمرَ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلثُمائةٍ وبضعةَ عشرَ فاستقبل القِبلةَ ومد يديه يدعو

الصفحة 7