كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 4)

اللهَّم أنجِزْ لي ما وعدتني اللهم إنْ تهلِكْ هذه العِصابةُ لا تعبَدْ في الأرض فما زال كذلك حتى سقط رداؤُه فأخذه أبُو بكرٍ رضيَ الله عنه فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال يا نبيَّ الله كفاك مناشدتُك ربَّك فإنه سيُنجز لك ما وعدك
{فاستجاب لَكُمْ} عطفٌ على تستغيثون داخلٌ معه في حكم التذكيرِ لِما عرفت أنه ماضٍ وصيغةُ الاستقبال لاستحضار الصورة
{أَنّي مُمِدُّكُمْ} أي بأني فحُذف الجارُّ وسُلّط عليه الفعلُ فنصَب محله وقرئ بكسر الهمزةِ على إرادة القولِ أو على إجراء استجابَ مجرى قال لأن الاستجابةَ من مقولة القول
{بألف من الملائكة مُرْدِفِينَ} أي جاعلين غيرَهم من الملائكة رديفاً لأنفسهم فالمراد بهم رؤساؤُهم المستتبِعون لغيرهم وقد اكتفى ههنا بهذا البيانِ الإجماليِّ وبيِّن في سورة آل عمران مقدار عددهم وقيل معناه مُتْبعِين أنفسَهم ملائكةً آخرين أو متْبعين المؤمنين أو بعضَهم بعضاً من أردفتُه إذا جئتُ بعده أو متبعين بعضَهم بعضَ المؤمنين أو أنفسَهم المؤمنين من أردفتُه إياه فردِفَه وقرىء مردَفين بفتح الدال أي مُتْبَعين أو متبعين بمعنى أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقَتَهم وقرىء مرُدّفين بكسر الراء وضمها وتشديد الدال وأصلُهما مرتدفين بمعنى مترادفين فأدغمت التاءُ في الدال فالتقى الساكنان فحركت الراء بالكسر على الأصل أبو بالضم على الاتباع وقريء بآلاف ليوافقَ ما في سورة آل عمران ووجهُ التوفيق بينه وبين المشهورِ أن المرادَ بالألفِ الذين كانوا على المقدمة أو الساقةُ أو وجوهُهم وأعيانُهم أو من قاتل منهم واختُلف في مقاتلتهم وقد روي أخبارٌ تدل على وقوعها
الأنفال (10)
{وَمَا جَعَلَهُ الله} كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان أن الأسبابَ الظاهرةَ بمعزل من التأثير وإنما التأثيُر مختصٌّ به عز وجل ليثق به المؤمنين ولا يقنَطوا من النصر عند فُقدانِ أسبابِه والجعلُ متعدَ إلى مفعول واحد هو الضميرُ العائدُ إلى مصدر فعلٍ مقدرٍ يقتضيه المقامُ اقتضاء ظاهر مُغنياً عن التصريحِ بهِ كأنهُ قيل فأمدكم بهم وما جعل إمدادَكم بهم
{إِلاَّ بشرى} وهو استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم العلل أي وما جعل إمدادَكم بإنزال الملائكةِ عِياناً لشيءٍ من الأشياءِ إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون
{وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ} أي بالإمداد
{قُلُوبُكُمْ} وتسكنَ إليه نفوسُكم كما كانت السكينةُ لبني إسرائيلَ كذلك فكلاهما مفعولٌ له للجعل وقد نُصب الأولُ لاجتماع شرائطِه وبقيَ الثاني على حاله لفقدانها وقيل للإشارة إلى أصالته في العلِّية وأهميتِه في نفسه كما قيل في قولِه تعالى والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وفي قصر الإمدادِ عليهما إشعارٌ بعدم مباشرةِ الملائكةِ للقتال وإنما كان إمدادُهم بتقويةِ قلوب المباشرين وتكثيرِ سوادِهم ونحوِه كما هو رأيُ بعضِ السلف وقيل الجعلُ متعدٍ إلى اثنين ثانيهما إلا بشرى على أنه استثناءٌ من أعم المفاعيلِ أي وما جعله الله شيئاً من الأشياءِ إلا بشارةً لكم فاللام في ولتطمئن متعلقةٌ بمحذوفٍ مؤخَّرٍ تقديرُه ولتطمئن به قلوبُكم فعَلَ ذلك لا لشيء آخَرَ
{وَمَا النصر} أي حقيقةُ النصر على الإطلاق
{إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} أي إلا كائنٌ من عنده عزَّ وجلَّ من غيرِ أن يكون فيه شِرْكةٌ

الصفحة 8