كتاب مسند أحمد - الميمنية تصوير عالم الكتب (اسم الجزء: 4)

فَمَا يَفْعَلُ بِنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِذَا لَقِينَاهُ ؟ قَالَ : تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُكُمْ ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدِهِ غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحُ قَبِيلَكُمْ بِهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ مِثْلَ الْحَمِيمِ الأَسْوَدِ ، أَلاَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَفْتَرِقُ عَلَى إِثْرِهِ الصَّالِحُونَ ، فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ ، فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَ ، فَيَقُولُ : حَسِّ يَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ : أَوَانُهُ ، أَلاَ فَتَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَأِ ، وَاللَّهِ نَاهِلَةٍ عَلَيْهَا قَطُّ ، مَا رَأَيْتُهَا ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ ، إِلاَّ وُقِعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنَ الطَّوْفِ ، وَالْبَوْلِ ، وَالأَذَى ، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ، وَلاَ تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُبْصِرُ ؟ قَالَ : بِمِثْلِ بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْمٍ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ ، وَاجَهَتْ بِهِ الْجِبَالَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَبِمَا نُجْزَى مِنْ سَيِّئَاتِنَا وَحَسَنَاتِنَا ؟ قَالَ : الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِمَّا الْجَنَّةُ ، إِمَّا النَّارُ قَالَ : لَعَمْرُ إِلَهِكَ إِنَّ لِلنَّارِ لَسَبْعَةَ أَبْوَابٍ ، مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا ، وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لَثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ مَا مِنْهُمَا بَابَانِ إِلاَّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَعَلَى مَا نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ، وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ ، وَلاَ نَدَامَةٍ ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَبِفَاكِهَةٍ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ ، وَخَيْرٌ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ ، وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ ، أَوْ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ ؟ قَالَ : الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ ، تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ غَيْرَ أَنْ لاَ تَوَالُدَ قَالَ لَقِيطٌ : فَقُلْتُ : أَقُصِيَ مَا نَحْنُ بَالِغُونَ ، وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : فَبَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ، وَقَالَ : عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَزِيَالِ الْمُشْرِكِ ، وَأَنْ لاَ تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ قُلْتُ : وَإِنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ، وَالْمَغْرِبِ ؟ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ، وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ شَيْئًا لاَ يُعْطِينِيهِ ، قَالَ : قُلْتُ : نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا ، وَلاَ يَجْنِي امْرُؤٌ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ ، فَبَسَطَ يَدَهُ ، وَقَالَ : ذَلِكَ لَكَ تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ ، وَلاَ يَجْنِي عَلَيْكَ إِلاَّ نَفْسُكَ قَالَ : فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَذَيْنِ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الأُولَى ، وَالآخِرَةِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ ابْنُ الْخُدَارِيَّةِ أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلاَبٍ : مِنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : بَنُو الْمُنْتَفِقِ أَهْلُ ذَلِكَ قَالَ : فَانْصَرَفْنَا ، وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ لأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ ؟ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ : وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ ، قَالَ : فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي مِمَّا قَالَ لأَبِي عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ : وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ثُمَّ إِذَا الأُخْرَى أَجْمَلُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَهْلُكَ ؟ قَالَ : وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ ، أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ ، فَقُلْ : أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ ، فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ ، تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ ، وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لاَ يُحْسِنُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ؟ وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ ؟ قَالَ : ذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ - يَعْنِي - نَبِيًّا ، فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ.
حَدِيثُ العَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
(16207) 16308- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّاجِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنِ ابْنٌ لِكِنَانَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ أَبَاهُ الْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ حَدَّثَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، لأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَالرَّحْمَةِ فَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ ، فَأَجَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْ قَدْ فَعَلْتُ ، وَغَفَرْتُ لأُمَّتِكَ إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَقَالَ : يَا رَبِّ إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تَغْفِرَ لِلظَّالِمِ ، وَتُثِيبَ الْمَظْلُومَ خَيْرًا مِنْ مَظْلَمَتِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْعَشِيَّةِ ، إِلاَّ ذَا فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَعَا غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ ، فَعَادَ يَدْعُو لأُمَّتِهِ ، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبَسَّمَ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، ضَحِكْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَضْحَكُ فِيهَا ، فَمَا أَضْحَكَكَ ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ قَالَ : تَبَسَّمْتُ مِنْ عَدُوِّ اللهِ إِبْلِيسَ ، حِينَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِي أُمَّتِي ، وَغَفَرَ لِلظَّالِمِ ، أَهْوَى يَدْعُو بِالثُّبُورِ وَالْوَيْلِ ، وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ ، فَتَبَسَّمْتُ مِمَّا يَصْنَعُ جَزَعُهُ.

الصفحة 14