كتاب الإحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم (اسم الجزء: 4)

فلعله أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحال، لأن ذلك كان بعد فتح خيبر، وقد وسع الله على المسلمين في فتحها عليهم، وكان - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس إلا أنه لا يبالغ في التأنق فيما يتعلق بأمور الدنيا.
(ولمسلم في قصة صفية جعل) - صلى الله عليه وسلم - {في وليمتها} أي في طعام زواجه بها (التمر والأقط والسمن) ولهما أنه - صلى الله عليه وسلم - "أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية" قال أنس فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالانطاع فبسطت فألقي عليها التمر والأقط والسمن، وعنه أنه - صلى الله عليه وسلم - "أعتق صفية وجعل عتقها صداقها" "وأولم عليها بحيس" والأمور الثلاثة إذا خلط بعضها ببعض سميت حيسًا فدل الحديث على إجزاء الوليمة بغير ذبح شاة وهو مذهب جمهور العلماء.
(وله) أي لمسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال شر الطعام طعام الوليمة) سماه شرًا لما ذكر عقبه فكأنه قال: شر الطعام الذي شأنه كذا، أو من شأنه كذا وبين شريته فقال: (يمنعها من يأتيها) وهم الفقراء (ويدعي إليها من يأباها) وهم الأغنياء وفي رواية تدعي لها الأغنياء وتترك الفقراء، وللطبراني "بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الشبعان ويمنع عنها الجيعان" وكان من عادة الجاهلية أن يدعو الأغنياء ويتركوا الفقراء.

الصفحة 56