كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{قبل فَقَالَت هَل أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون (12) فرددناه إِلَى أمه كي تقر عينهَا وَلَا تحزن ولتعلم أَن وعد الله حق وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ (13) }
(فَلَا تَسْأَلنِي نائلا عَن جَنَابَة ... فَإِن امْرُؤ وسط القباب غَرِيب)
قَوْله تَعَالَى: {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من قبل} أَي: منعناه من قبُول الرَّضَاع، وَلَيْسَ المُرَاد من التَّحْرِيم هُوَ التَّحْرِيم الشَّرْعِيّ؛ وَإِنَّمَا المُرَاد من التَّحْرِيم هُوَ الْمَنْع، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس شعرًا:
(جالت لتصرعني فَقلت لَهَا اقصري ... إِنِّي امْرُؤ صرعى عَلَيْك حرَام)
أَي: مُمْتَنع، وَفِي الْقِصَّة: أَن مُوسَى مكث ثَمَان لَيَال لَا يقبل ثديا، ويصيح وهم فِي طلب مُرْضِعَة لَهُ.
وَقَوله: {فَقَالَت هَل أدلكم} يَعْنِي: قَالَت أُخْت مُوسَى: هَل أدلكم {على أهل بَيت يكفلونه لكم} ؟ .
وَقَوله: {وهم لَهُ ناصحون} أَي: عَلَيْهِ مشفقون، والنصح ضد الْغِشّ، وَقيل: النصح تصفية الْعَمَل من شوائب الْفساد، وَمِنْه قَوْله: " إِلَّا إِن الدّين النَّصِيحَة. قيل: لمن؟ قَالَ: لله وَلِرَسُولِهِ وَكتابه وَالْمُؤمنِينَ " وَالْخَبَر ثَابت، رَوَاهُ تَمِيم الدَّارِيّ.
وَفِي لقصة: أَن قوم فِرْعَوْن استرابوا بقول أُخْت مُوسَى فَقَالُوا: [إِنَّك] تعرفينه، وَإِلَّا فَمَا معنى نصحك لَهُ؟ فألهمها الله تَعَالَى حَتَّى قَالَت: قلت هَذَا رَغْبَة فِي سرُور الْملك واتصالنا بِهِ، وَرُوِيَ أَن أم مُوسَى لما أُتِي بهَا، وَوجد مُوسَى رِيحهَا، (نزا) إِلَى ثديها فَجعل يمصه حَتَّى امْتَلَأَ جنباه ريا، وَقَالَ السّديّ: كَانُوا يعطونها كل يَوْم دِينَارا.

الصفحة 126