كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{بَصيرًا وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا لقد استكبروا فِي أنفسهم وعتوا عتوا كَبِيرا} مر عَلَيْهِ حميد الطوسي فِي موكبه، وَدَاوُد فِي أطمار لَهُ، فَقَالَ لنَفسِهِ: أتطلبين دنيا سَبَقَك بهَا حميد؟ . وروى أَن رجلا مر على الْحسن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ فِي هَيْئَة حَسَنَة، وسيادة عَظِيمَة من الدُّنْيَا، فَسَأَلَ من هَذَا؟ فَقيل: هَذَا صِرَاط الْحجَّاج، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي أَخذ الدُّنْيَا بِحَقِّهَا.
وَقَوله: {وَكَانَ رَبك بَصيرًا} أَي: بَصيرًا بأعمالكم.
قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا} أَي: لَا يخَافُونَ لقاءنا، قَالَ الْفراء: والرجاء بِمَعْنى الْخَوْف لُغَة تهامية، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {مالكم لَا ترجون لله وقارا} أَي: لاتخافون لله عَظمَة. قَالَ الشَّاعِر:
(لَا ترتجي حِين تلاقى الذائذا ... أسبعة لاقت مَعًا أم وَاحِدًا)
أَي: لَا تخَاف.
وَقَوله: {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا} " مَعْنَاهُ: هلا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا ".
وَقَوله: {لقد استكبروا فِي أنفسهم} أَي: تعظموا فِي أنفسهم، واستكبارهم هُوَ أَنهم امْتَنعُوا عَن الْإِيمَان، وطلبوا آيَة لم تطلبها أمة قبلهم.
وَقَوله: {وعتوا عتوا كَبِيرا} . أَي: علو علوا عَظِيما، والعتو هُوَ الْمُجَاوزَة فِي الظُّلم إِلَى أبلغ حَده، وعتوهم هَاهُنَا طَلَبهمْ رُؤْيَة الله حَتَّى يُؤمنُوا.
وَقَوله تَعَالَى: {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة} وَيَوْم رُؤْيَة الْمَلَائِكَة هُوَ يَوْم الْقِيَامَة.
{يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا (22) وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (23) أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا}

الصفحة 14