كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)
{من الله علينا لخسف بِنَا ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين (83) من جَاءَ بِالْحَسَنَة}
(وى كَأَن من يكن لَهُ نشب يحبب ... وَمن يفْتَقر يعِيش عَيْش ضرّ) وأنشدوا أَيْضا قَول عنترة فِي أَن ويك بِمَعْنى وَيلك:
(وَلَقَد شفى نَفسِي وَأَبْرَأ سقمها ... قَول الفوارس ويك عنتر أقدم)
وَمن الْمَعْرُوف فِي التفاسير عَن الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين: ويكأن الله: ألم تَرَ أَن الله، وَحكى مثل هَذَا عَن أبي عُبَيْدَة.
وَقَوله: {لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا} أَي: لَوْلَا أَن أنعم الله علينا لخسف بِنَا مثل مَا خسف بقارون.
وَقَوله: {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} أَي: استكبارا، وأصل التكبر هُوَ الشّرك بِاللَّه، قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ} وَمن التكبر الاستطالة على النَّاس واستحقارهم، والتهاون بهم، وَيُقَال إِرَادَة الْعُلُوّ هُوَ ترك التَّوَاضُع.
وَقيل: {لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} مَعْنَاهُ: لَا يجزعون من ذلها، وَلَا ينافسون فِي عزها.
وَقَوله: {وَلَا فَسَادًا} أَي: الْعَمَل بِالْمَعَاصِي، وَقَالَ عِكْرِمَة: هُوَ أَخذ مَال النَّاس بِغَيْر حق.
وَقَوله: {وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} أَي: الْجنَّة لِلْمُتقين، وَقيل: الْعَاقِبَة الْحَسَنَة لِلْمُتقين، وروى زَاذَان عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يمشي ويدور فِي الْأَسْوَاق، يعين الضَّعِيف، وينصر الْمَظْلُوم، ويمر بالبقال والبياع فَيفتح عَلَيْهِ الْقُرْآن، وَيقْرَأ: {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض. .} الْآيَة.
وَعنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: من أعجبه شسع نَعله على شسع أَخِيه، فَهُوَ مِمَّن يُرِيد الْعُلُوّ فِي
الصفحة 161