كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا (44) ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا (45) }
قَوْله تَعَالَى: {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ} . أَي: أتحسب.
وَقَوله: {إِن هم إِلَّا كالأنعام} . أَي: مَا هم إِلَّا كالأنعام، جعلهم كالأنعام؛ لأَنهم لم يدركوا طَرِيق الْحق، وَلم ينتفعوا بِمَا ميزهم الله بِهِ عَن الْبَهَائِم من عُقُولهمْ وأسماعهم وأبصارهم.
وَقَوله: {بل هم أضلّ سَبِيلا} أَي: أَخطَأ طَرِيقا، وَجعل الْكفَّار أضلّ من الْأَنْعَام؛ لِأَن الْأَنْعَام تسْجد وتسبح لله تَعَالَى، وَالْكفَّار لَا يَسْجُدُونَ وَلَا يسبحون؛ وَلِأَن الْبَهَائِم لم يعرفوا، وَلم يَكُونُوا أعْطوا آله الْمعرفَة. وَأما الْكفَّار لم يعرفوا وَقد أعْطوا آله الْمعرفَة، فهم أضلّ؛ وَلِأَن الْبَهَائِم لم تفْسد مَا لَهَا من المعارف؛ فَإِن الله تَعَالَى أَعْطَاهَا قدرا من المعارف وهم يستعملونها، وَأما الْكفَّار فقد أفسدوا مَا لَهُم من المعارف، فهم أضلّ وَأَقل من الْبَهَائِم.
قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى رَبك} مِنْهُم من قَالَ: هَذَا على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَمَعْنَاهُ: ألم تَرَ إِلَى الظل كَيفَ مده رَبك؟ وَقيل: هُوَ على ظَاهره، وَمعنى الرُّؤْيَة هُوَ الْعلم، قَالَ الشَّاعِر:
(أريني جوادا مَاتَ هزلا لعلني ... أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا)
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الظل، فالأكثرون على أَنه الظل من وَقت طُلُوع الصُّبْح إِلَى وَقت طُلُوع الشَّمْس، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه من وَقت غرُوب الشَّمْس إِلَى وَقت طُلُوعهَا. والظل هُوَ ظلّ الأَرْض يقبل عِنْد غرُوب الشَّمْس، وَيُدبر عِنْد طُلُوعهَا.
وَقَوله: {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} أَي: دَائِما.
وَقَوله: {ثمَّ جَعَلْنَاهُ الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} أَي: ثمَّ جعلنَا الشَّمْس دَلِيلا على الظل، فَإِن الظل يعرف بالشمس، والنور يعرف بالظلمة، وَاللَّيْل بِالنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ كل الْأَشْيَاء تعرف بأضدادها.

الصفحة 22