كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا (46) وَهُوَ الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لباسا وَالنَّوْم سباتا وَجعل النَّهَار نشورا (47) وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح بشرا}
وَقيل: جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا أَي: تتلوه وتتبعه فتنسخه.
وَقَوله: {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا}
الْقَبْض: جمع المنبسط من الشَّيْء، وَمَعْنَاهُ: أَن الظل يعم الأَرْض مثل طُلُوع الشَّمْس، فَإِذا طلعت الشَّمْس قبض الظل بالشمس جُزْءا فجزءا، فَيُقَال: وَقت قبض الظل عِنْد الاسْتوَاء، حَتَّى لَا يبْقى ظلّ فِي الْعَالم إِلَّا على مَوضِع لَا تكون الشَّمْس مستوية عَلَيْهِ.
وَقَوله: {يَسِيرا} أَي: هينا. وَقَالَ مُجَاهِد: خفِيا، وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ. .
قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لباسا} أَي: يلْبِسكُمْ بظلمة اللَّيْل عِنْد غشيانه، فَكَأَن اللَّيْل لِبَاس النَّاس، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ} وَمَوْضِع السكن كاللباس للْإنْسَان.
وَقَوله: {وَالنَّوْم سباتا} أَي: رَاحَة، والسبت: الْقطع، والنائم مسبوت؛ لِأَنَّهُ انْقَطع عمله مَعَ بَقَاء الرّوح فِيهِ.
وَقَوله: {وَجعل النَّهَار نشورا} أَي: زَمَانا ينشرون فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح بشرا} وَقُرِئَ: " نشرا " بِضَم النُّون والشين، وَقُرِئَ بِالْبَاء المضمومة، فَقَوله: " نشرا " بِنصب النُّون أَي: لإنشار النَّبَات، وإنشار النَّبَات إحياؤه، وَأما " نشرا " بِضَم النُّون جمع " نشر " كالرسل جمع رَسُول، وَأما {بشرا} بِالْبَاء من الْبشَارَة، وَقد ذكرنَا الْكَلَام فِي الرِّيَاح.

الصفحة 23