كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما (66) وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا لم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما (67)
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما} أَي: بئس مَوضِع الْقَرار، وَمَوْضِع الْمقَام جَهَنَّم، وَقد بَينا الْفرق بَين الْمقَام وَالْمقَام.
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا} قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن الْحلِيّ: كل إِنْفَاق فِي غير طَاعَة الله فَهُوَ إِسْرَاف، وكل منع عَن طَاعَة الله فَهُوَ إقتار.
وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لم يُسْرِفُوا أَي: لم يجاوزوا الْحَد فِي الْإِنْفَاق، وَذَلِكَ بالإكثار فِي النَّفَقَة على وَجه التبذير.
وَقَوله: {وَلم يقترُوا} أَي: لم يقلوا فِي الْإِنْفَاق حَتَّى يعروا أَو يجيعوا من يجب عَلَيْهِم الْإِنْفَاق عَلَيْهِم.
وَقَالَ بَعضهم: لم يُسْرِفُوا أَي: لم ينفقوا فِي غير الْحق، وَلم يقترُوا أَي: لم يمنعوا من الْحق، وَهَذَا القَوْل قريب من القَوْل الأول.
قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: وَكَانَ بَين ذَلِك قواما: حَسَنَة بَين سيئتين، وَحكى ثَعْلَب أَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لعمر بن عبد الْعَزِيز - وَكَانَ قد زوج ابْنَته فَاطِمَة مِنْهُ -: كَيفَ نَفَقَتك يَا عمر؟ فَقَالَ: حَسَنَة بَين سيئتين.
وَعَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ: إِذا أخذت بِوَاحِد من طرفِي الْعود مَال، فَإِذا أخذت بوسطه اعتدل.
وَقَوله: {قواما} . أَي: عدلا، وَهُوَ معنى مَا قُلْنَاهُ، والقوام بِالْفَتْح من الاسْتقَامَة، والقوام بِالْكَسْرِ مَا يُقيم الْأَمر بِهِ، كَأَنَّهُ ملاكه.
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} مَعْلُوم الْمَعْنى.
وَقَوله: {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} . الْحق هُوَ مَا ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَا يحل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث ... " وَقد بَينا.

الصفحة 31