كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{من شكله أَزوَاج (58) هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ لَا مرْحَبًا بهم إِنَّهُم صالوا النَّار (59) } وَمَعْنَاهُ: هَذَا حميم وغساق فليذوقوه، وَأما معنى الْحَمِيم فقد بَينا، وَهُوَ المَاء الْحَار الَّذِي انْتهى فِي الْحَرَارَة، وَأما الغساق فَهُوَ الْقَيْح الَّذِي يسيل من جُلُودهمْ، وَعَن السّديّ قَالَ: الدُّمُوع الَّتِي تسيل من أَعينهم، وَحكى بَعضهم عَن ابْن عَبَّاس: أَنه الزَّمْهَرِير يحرقهم بِبرْدِهِ، وَحكى النقاش: أَن الغساق هُوَ المنتن بالتركية، فعرب، وَقد قرئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، فبعضهم قَالَ: لَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى، وَبَعْضهمْ فرق بَينهمَا بِبَعْض الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا.
قَوْله تَعَالَى: {وَأخر من شكله أَزوَاج} وَقُرِئَ: " وَآخر من شكله "، فَقَوله: {وَأخر} يتَنَاوَل الْعدَد وَقَوله: {وَأخر} بِالْمدِّ يتَنَاوَل الْوَاحِد.
وَقَوله: {من شكله} أَي: مثله، وَقَوله: {أَزوَاج} أَي: أَصْنَاف، وَقيل: أَنْوَاع. قَالَ الشَّاعِر:
(لما اكتست من ضرب كل شكل ... حمرا وخضرا كاخضرار البقل)
وَمعنى الْآيَة: أَن لأهل النَّار أنواعا أخر من الْعَذَاب على شكل مَا سبق ذكره يَعْنِي: فِي الشدَّة.
قَوْله تَعَالَى: {هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ} أَي: فَوْج مقتحم مَعكُمْ بعد الفوج الأول، والاقتحام هُوَ الدُّخُول، وَاخْتلف القَوْل فِي الفوج الأول والفوج الثَّانِي.
فأحد الْقَوْلَيْنِ: الفوج الأول هم بَنو إِسْرَائِيل، والفوج الثَّانِي هم بَنو آدم، وَيُقَال: الفوج الأول هم الرؤساء والقادة، والفوج الثَّانِي هم الأتباع.
وَقَوله: {لَا مرْحَبًا بهم} الرحب هُوَ السعَة، وَقَول الْقَائِل: لَا مرْحَبًا بفلان أَي: لَا رَحبَتْ أَي: لَا اتسعت عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا جِئْت بوابا لَهُ قَالَ مرْحَبًا ... أَلا مرْحَبًا ناديك غير مضيق)

الصفحة 450