كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{ربكُم للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة وَأَرْض الله وَاسِعَة إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب (10) قل إِنِّي أمرت أَن أعبد الله مخلصا لَهُ الدّين (11) وَأمرت لِأَن أكون أول الْمُسلمين (12) قل إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم (13) قل}
وَقَوله: {وَأَرْض الله وَاسِعَة} قَالَ سعيد بن جُبَير: من أَمر بِالْمَعَاصِي فليهرب، وَفِي الْآيَة أَمر بِالْهِجْرَةِ عَن الْبَلَد الَّذِي تظهر فِيهِ الْمعاصِي إِلَى بلد لَا تظهر فِيهِ الْمعاصِي، وَيُقَال فِيهِ: أَرض الله وَاسِعَة أَي: الْمَدِينَة، فَأمر بالمهاجرة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَيُقَال: نزلت الْآيَة فِي جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه، حَيْثُ هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْحَبَشَة.
وَقَوله: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ} أَي: الغربة وَالْخُرُوج من الوطن فِرَارًا بدينهم {أجرهم بِغَيْر حِسَاب} أَي: بِغَيْر تَقْدِير، وَفِي الْخَبَر أَن النَّبِي قَالَ: " لما أنزل الله تَعَالَى: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} رب زد أمتِي، فَأنْزل الله تَعَالَى: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل} ثمَّ قَالَ: زد أمتِي؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} .
وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مُطِيع يُكَال كَيْلا ويوزن وزنا إِلَّا الصَّابِرُونَ؛ فَإِنَّهُم يحثى لَهُم حثيا.
قَوْله تَعَالَى: {قل إِنِّي أمرت أَن أعبد الله مخلصا لَهُ الدّين} أَي: مخلصا لَهُ التَّوْحِيد، وإخلاص التَّوْحِيد: أَن لَا تشرك بِهِ غَيره.
وَقَوله: {وَأمرت لِأَن أكون أول الْمُسلمين} أَي: أول الْمُسلمين من قُرَيْش، قَوْله

الصفحة 462