كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 4)

{إِنَّكُم متبعون (52) فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين (53) إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُم لنا لغائظون (55) وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون (56) ألف أَصْحَاب الأعمدة.
وَقَوله: {وَإِنَّهُم لنا لغائظون} يَعْنِي: أَنهم غاظونا وأغضبونا، وَكَانَ غيظه مِنْهُم بخروجهم من غير أمره، واستعارتهم الْحلِيّ من قومه ومضيهم بهَا.
وَقَوله: {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} وَقُرِئَ: " حذرون " فالحذر هُوَ المتيقظ، والحاذر المستعد.
قَالَ الشَّاعِر:
(وَكتب عَلَيْهِ احذر الْمَوْت ... وَحده فَلم يبْق حاذر)
وَقَرَأَ ابْن أبي عَامر: " وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون) بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة. وَيُقَال: بعير حادر إِذا كَانَ ممتلئا من اللَّحْم، عَظِيم الجثة، وَقيل: {إِنَّا لجَمِيع حاذرون} أَي: مؤدون، وَمعنى مؤدون أَي: مَعْنَاهُ الأداة وَالسِّلَاح.
قَوْله تَعَالَى: {فأخرجناهم من جنَّات وعيون} فِي الْقِصَّة: أَن الْبَسَاتِين كَانَت ممتدة على حافتي النّيل من أَعْلَاهُ إِلَى آخِره، وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: سيد الْأَنْهَار هُوَ النّيل، فَإِذا أجراه الله تَعَالَى أمده من جَمِيع الْأَنْهَار، وفجر لَهُ ينابيع الأَرْض، فَإِذا تمّ إجراؤه رَجَعَ كل مَاء إِلَى عنصره.
وَقَوله: {وكنوز} أَي: كنوز الْأَمْوَال، وَفِي بعض الْقَصَص: أَنه كَانَ لفرعون ثَمَانمِائَة ألف غُلَام، كل غُلَام على فرس من عَتيق، فِي عنق كل فرس طوق من ذهب.
وَقَوله: {ومقام كريم} أَي: منَازِل حسان، وَقد قيل: إِن الْمقَام الْكَرِيم هُوَ المنابر، وَكَانَ بِمصْر ألف مِنْبَر فِي ذَلِك الْوَقْت، وَقيل: {ومقام كريم} أَي: مجْلِس الْأَشْرَاف، وَذكر بَعضهم: أَنه كَانَ إِذا قعد على سَرِيره وضع بَين يَدَيْهِ ثَلَاثمِائَة كرْسِي من ذهب يجلس عَلَيْهَا الْأَشْرَاف، عَلَيْهِم أقبية الديباج مخوصة بِالذَّهَب.
وَقَوله: {كَذَلِك وأورثناها بني إِسْرَائِيل} . وروى أَن بني إِسْرَائِيل عَادوا إِلَى مصر

الصفحة 48