كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 4)

وَإِلَّا لَنُصِبَ الْعَمَلُ كَمَا تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرًا يَضْرِبُهُ وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ فِي يَرْفَعُهُ عَائِدٌ إِلَى الْعَمَلِ وَالْهَاءُ لِلْكَلِمِ قَالَ الْفَارِسِيُّ فِي التذكرة الْمَنْصُوبُ فِي يَرْفَعُهُ عَائِدٌ لِلْكَلِمِ لِأَنَّ الْكَلِمَ جَمْعُ كَلِمَةٍ قَالَ كَلِمٌ كَالشَّجَرِ فِي أَنَّهُ قَدْ وُصِفَ بِالْمُفْرَدِ فِي قَوْلِهِ {مِنَ الشَّجَرِ الأخضر} وَكَذَلِكَ وُصِفَ الْكَلِمُ بِالطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي {يَرْفَعُهُ} عَائِدًا إِلَى الْعَمَلِ لَكَانَ مَنْصُوبًا فِي هَذَا الْوَجْهِ وَمَا جَاءَ التَّنْزِيلُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أليما} وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي {يَرْفَعُهُ} عَائِدٌ إِلَى الْعَمَلِ فَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الْعَمَلُ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى قَوْلِهِ {يَصْعَدُ} وَيُضْمَرُ لَهُ فِعْلٌ نَاصِبٌ كَمَا أُضْمِرَتْ لِقَوْلِهِ {وَالظَّالِمِينَ} وَالْمَعْنَى يَرْفَعُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ وَمَعْنَى يُرْفَعُ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يُحْبَطُ ثَوَابُهُ فَيُرْفَعُ لِصَاحِبِهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَالْعَمَلِ السيء الَّذِي يَقَعُ مَعَهُ الْإِحْبَاطُ فَلَا يُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
الثَّامِنُ: إِذَا اجْتَمَعَ ضَمَائِرُ فَحَيْثُ أَمْكَنَ عَوْدُهَا لِوَاحِدٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ عَوْدِهَا لِمُخْتَلِفٍ وَلِهَذَا لَمَّا جَوَّزَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} إِلَخْ أَنَّ الضمير في {فاقذفيه في اليم} ل لتابوت وَمَا بَعْدَهُ وَمَا قَبْلَهُ لِمُوسَى عَابَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَعَلَهُ تَنَافُرًا وَمُخْرِجًا لِلْقُرْآنِ عَنْ إِعْجَازِهِ فَقَالَ وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى مُوسَى وَرُجُوعُ بَعْضِهَا إِلَيْهِ وَبَعْضِهَا إِلَى التَّابُوتِ فِيهِ هُجْنَةٌ لِمَا يؤدي إليه من تنافر النظر
فَإِنْ قُلْتَ: الْمَقْذُوفُ فِي الْبَحْرِ هُوَ التَّابُوتُ وَكَذَلِكَ الْمُلْقَى إِلَى السَّاحِلِ

الصفحة 35