كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 4)

نِصْفُ الْعَشَرَةِ لَكِنْ قَالَ الْفُضَلَاءُ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ الثُّمُنُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعُ فَلَمْ يَجْرُوا فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِجَارَةِ، وَلَمْ يَجْرُوا أَيْضًا فِي الْمُخَالَفَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ صِحَّةِ مَا قَالُوهُ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ عِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ.
وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَلَيْسَ فِيهِ بَقْرٌ، وَإِلَّا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ بَلْ أَلْوَاحٌ يُلَفِّقُهَا فَهُوَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ كُلٌّ مِنْهَا عَشَرَةٌ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةٌ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ فَكُلُّ لَوْحٍ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةٍ، عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ، وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَلَهُ الرُّبْعُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ، وَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ:
فَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا ... كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ)
اعْلَمْ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يَغْرُرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ، وَلَا أُجْرَةَ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ.
(الثَّانِي) مَا غَرَّ فِيهِ بِضَعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّفْرِيطِ، وَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءُ التَّعَدِّي.
(الثَّالِثُ) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِمْ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ. (الرَّابِعُ) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا كَمَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْقُضَاةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قَالَ، وَبِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَطَاوُسٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ اهـ.
(وَالثَّالِثَةُ) الْكَرَاهَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَنْ ذَهَبَ إلَى كَرَاهَةِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَكِرَائِهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ فِي الْمُوَازَنَةِ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ مَالِكًا ايَكْرَهُ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَصَدَ بِالْكِرَاءِ الْآلَاتِ وَالْأَخْشَابَ جَازَ، وَإِنْ قَصَدَ فِيهِ الْبُقْعَةَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ اهـ.
قَالَ الْحَطَّابُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا أَيْ لِلتَّنْزِيهِ اهـ.
(وَالرَّابِعَةُ) تَخْصِيصُهَا أَيْ الْكَرَاهَةِ بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْهُ أَيْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَاصَّةً انْتَهَى، وَهَكَذَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ أَيْضًا اهـ.
وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا فِي مَشْهُورِهِمْ الْمَذْكُورِ مَكَّةَ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَتَكُونُ أَرْضُ مَكَّةَ وَدُورُهَا مِلْكًا لِأَهْلِهَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْدَةِ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً غَيْرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَأَرْضُهَا إذًا وَدُورُهَا لِأَهْلِهَا، وَلَكِنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ التَّوْسِيعَ عَلَى الْحُجَّاجِ إذَا قَدِمُوهَا فَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ كِرَاءً فِي مَسَاكِنِهَا فَهَذَا حُكْمُهَا فَلَا عَلَيْك بَعْدَ هَذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَإِنْ كَانَتْ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً انْتَهَى كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ
(الْأَمْرُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ، وَمِثْلُهُ لِسَنَدٍ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قَسْمُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَتَعَيَّنَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ إنَّ مُقْتَضَى أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُمْلَكُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ، وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفَعَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا قِيلَ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمَكَّةَ زَادَ الْأَصْلُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ

الصفحة 11