كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 4)

فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ. (الْخَامِسُ) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ)
أَمَّا مَا تُفْسِدُهُ الْجَهَالَةُ فَهُوَ الْبِيَاعَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْإِجَارَاتِ، وَمِنْ الْإِجَارَاتِ قِسْمٌ لَا يَجُوزُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ فِيهِ بَلْ يُتْرَكُ مَجْهُولًا، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا فَتَفْسُدُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بَلْ مَصْلَحَتُهُ، وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا مُحَدَّدًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ بِأَنْ لَا يَجِدَ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ بَلْ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا، وَالْجَهَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا، وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِجَمْعِ الْفَرْقِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ يُنَاسِبُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ يُنَاسِبُ الضِّدَّيْنِ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ أَمَّا اقْتِضَاؤُهُ لَهُمَا فَبَعِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْجَعَالَاتِ وَالْإِجَارَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْحَجْرُ يَقْتَضِي رَدَّ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفَاتِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا لَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَصَارَ صَوْنُ الْمَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ يَقْتَضِي تَنْفِيذَ التَّصَرُّفَاتِ، وَرَدَّ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَلِكَ الْقَرَابَةُ تُوجِبُ الْبِرَّ بِدَفْعِ الْمَالِ، وَتُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ، وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَعْنًى يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ مَثَلًا يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَالْيَوْمُ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ أَيْ تَخْطِئَةُ الْقَضَاءِ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ ثَابِتَةٌ اهـ.
كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا، وَمَذْهَبٌ لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ شَهَادَةٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فُلَانٌ أَخَذَ مَاله غَصْبًا، وَخَالَعَ امْرَأَتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدَ خَمْسَةِ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا (أَحَدُهَا) الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ (وَثَانِيهَا) الْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ (وَثَالِثُهَا) الشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ (وَرَابِعُهَا) الْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ (وَخَامِسُهَا) الْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ (وَالثَّانِي) أَنْ يَخْتَصَّ بِالْقَوْلِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، وَيُخَالِفُهُ غَيْرُهُ فِيهِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذِهِ طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاخْتِصَاصُ بِأَنْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلَّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ إمَامٍ زَيْدٌ زَنَى فَكَمَا لَا نُوجِبُ الرَّجْمَ بِذَلِكَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ أَوْ مَكَّةُ عَنْوَةً شَهَادَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ تَعَيَّنَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُدْرَى هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمَ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذْ الْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ، وَلَيْسَ الْعَنْوَةُ، وَالصُّلْحُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ
(وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ مُسْتَنَدُهَا

الصفحة 12