كتاب الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق (اسم الجزء: 4)
وَجَوَابُهُمْ أَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لِعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لَهُ.
وَتَزُولُ الشَّرِكَةُ أَوْ خَرَجَ وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ وَيَرُدُّ نِصْفَ مَا أَخَذَ.
(سُؤَالٌ) إذَا وُجِدَتْ الدَّابَّةُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي أَوْ الْعَارِيَّةِ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا، وَهَا هُنَا الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ فَمَا الْفَرْقُ؟
(جَوَابُهُ) التَّعَدِّي يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ، وَالْبَحْرُ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الدَّفْعُ وَالْأَكْلُ. (وَثَانِيهِمَا) لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ هُنَالِكَ تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا، وَهَا هُنَا لِبَقَاءِ الْمَالِ.
وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسَفْكُ الدَّمِ مُحَرَّمٌ، وَمَا وُضِعَ الْمَالُ إلَّا وَسِيلَةٌ لِبِنَاءِ النَّفْسِ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةً لِذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ اتِّفَاقًا وَلِمَالِكٍ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمَجَاعَةِ قَوْلَانِ بِالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِ الْفَحْلِ إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي فَقَضَاهُ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ جَازَ انْتَهَى اهـ وَقَالَ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ أَيْ لِخِدْمَتِهِ أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ اهـ.
قَالَ عبق، وَمِثْلُ تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ تَعْلِيمُ آلَاتِ الطَّرَبِ كَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَى الْعِوَضِ فَرَّعَ ثُبُوتَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُعَوَّضِ، وَلِخَبَرِ «أَنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» اهـ.
وَقَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَضِيَّةُ أَنَّ حُكْمَ الْغِنَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ مَكْرُوهَةً لَا حَرَامًا اهـ.
وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ اهـ.
أَيْ، وَمِثْلُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَنْعَةِ آنِيَةِ مِنْ نَقْدٍ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ.
2 -
(الشَّرْطُ الثَّانِي) قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا أَرَادَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ الْمُجْتَهِدِ ابْنِ رُشْدٍ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَفِي بَعْضِهَا يَوْمَ الْفَتْحِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي بَعْضِهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا عَامَ أَوْطَاسٍ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِتَصَرُّفٍ.
وَأَمَّا إجَارَةُ الْفُحُولِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ لِلنُّزُوِّ فَفِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزُوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ، وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ، وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ اهـ الْمُحْتَاجِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فِيمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَإِنَّهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ، وَلَمْ يَرِدْ هُنَا نَاسِخٌ إلَّا أَنَّهَا إجَارَةُ عَيْنٍ أَجَّلَهَا، وَسَمَّى عِوَضَهَا، وَهُوَ عَقَدُهُ عَلَى إحْدَى ابْنَتَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا الصُّغْرَى الَّتِي أَرْسَلَهَا فِي طَلَبِهِ، وَقِيلَ الْكُبْرَى، وَلَا يَرِدُ عَدَمُ تَبْعِيضِ الْبُضْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ فَلِذَا زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَةَ بَعْضُهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يُعْقَلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبَعُّضِهَا اهـ.
وَنَمْنَعُ كَوْنَ الِانْتِفَاعِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ مُتَمَوِّلًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ.
2 -
الصفحة 9
316