كتاب مصابيح السنة (اسم الجزء: 4)

لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ (¬1)، ثمَّ حُبِّبَ إليهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلو بغارِ حِراءٍ فيَتحَنَّثُ (¬2) فيهِ -وهو التعبُّدُ- (¬3) اللياليَ ذَواتِ العددِ قبلَ أنْ يَنزِعَ إلى أهلِهِ ويتزوَّدُ لذلكَ، ثمَّ يَرجِعُ إلى خَديجةَ فيتَزوَّدُ لمثلِها، حتَّى جاءَهُ (¬4) الحقُّ وهوَ في غارِ حراءٍ، فجاءَهُ المَلَكُ فقال: اقْرَأْ، قال: ما أنا بقارِئٍ. قال: فأخذَنِي فغَطَّنِي حتَّى بلغَ مِنِّي الجُهْدَ (¬5)، ثمَّ أرسَلَني فقال: اقْرَأ، قلتُ: ما أنا بقارِئٍ. فأخذَنِي فغَطَّني الثانيةَ حتَّى بلغَ [مِنِّي] (¬6) الجُهْدَ، ثُمَّ أرسَلَنِي فقال: اقْرَأْ، قلتُ: ما أنا بقارِئٍ. فأخذَنِي فغطني الثالثة، ثمَّ أرسَلَنِي فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} (¬7) فرجَعَ بها رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدخلَ على خَديجةَ فقال: زَمِّلونِي زَمِّلوني (¬8). فزَمَّلُوهُ حتَّى ذهبَ عنهُ الرَّوْعُ، فقالَ لخَديجةَ وأخْبَرَها الخبَرَ: لقدْ خَشيتُ على
¬__________
(¬1) قال أهل اللغة: فَلَق الصبح وفَرَق الصبح بفتح الفاء واللام والراء هو ضياؤه، وإنما يقال هذا في الشيء الواضح البينّ (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 197).
(¬2) التحنّث فسره بالتعبّد، وهو تفسير صحيح، وأصل الحنث الإثم، فمعنى يتحنّث يتجنب الحنث فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 198).
(¬3) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1/ 23: (قوله: (وهو التعبد) هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي ولم يذكر دليله، نعم في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإِدراج).
(¬4) كذا في المطبوعة، وهو الموافق للفظ المؤلف في شرح السنة، وللفظ البخاري الذي في كتاب بدء الوحي، لكن اللفظ في المخطوطة: (جاء)، وعند البخاري في روايتين وعند مسلم: (فَجِئَهُ).
(¬5) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فغطّني حتَّى بلغ مني الجُهْد" أما غطنّي فمعناه عصرني وضمني. وأما الجُهد فيجوز فتح الجيم وضمها لغتان، وهو الغاية والمشقة (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 199).
(¬6) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوعة وهو من المخطوطة، وفي لفظ المؤلف في شرح السنة وفي ألفاظ البخاري ومسلم.
(¬7) سورة العلق (96)، الآيات (1 - 5).
(¬8) قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "زمِّلوني" معناه غطوني بالثياب ولفوني بها (النووي، شرح صحيح. مسلم 2/ 200).

الصفحة 64