كتاب مصابيح السنة (اسم الجزء: 4)

بمكّةَ، فنزلَ جِبريلُ ففَرَجَ صَدرِي (¬1)، ثمَّ غَسلَهُ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جاءَ بطَسْتٍ منْ ذَهَبِ مُمتلِئٍ حِكمةً وإيمانًا فأفرَغَهُ في صَدرِي، ثمَّ أطبَقَهُ، ثمَّ أخذَ بيدِي فَعَرَجَ بي إلى السَّماءِ، [فلمَّا جِئتُ إلى السماءِ] (¬2) الدُّنْيا قال جِبريلُ لخازِنِ السَّماءِ: افْتَحْ، فلمَّا فَتحَ عَلَوْنا السماءَ الدُّنْيا، إذا رجلٌ قاعِدٌ على يَمينِه أَسْوِدَةٌ (¬3) وعلي يَسارِهِ أسْوِدَةٌ، إذا نظرَ قِبَلَ يَمينهِ ضَحِكَ، وإذا نظرَ قِبَلَ شِمالِه بَكَى، فقال: مرحبًا بالنبيِّ الصالحِ والابنِ الصالحِ: قلتُ (¬4) لِجبريلَ: مَنْ هذا؟ قال: هذا آدمُ، وهذِه الأَسْوِدَةُ عنْ يَمينِه وعنْ شِماله نَسَمُ (¬5) بنيهِ، فأهلُ اليَمينِ منهُمْ أهلُ الجنَّةِ، والأسْوِدَةُ التي عنْ شِمالِه أهلُ النَّارِ، فإذا نظرَ عنْ يَمينِه ضَحِكَ، وإذا نظرَ قِبَلَ شِمالِهِ بَكَى". وقال ابنُ شِهاب رضيَ اللَّه عنه: فأخبرَني ابنُ حَزْم (¬6) أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنه وأبا حَيَّةَ الأنصارِيَّ (¬7) كانا يقولان: قالَ النَّبيُّ صلى اللَّه عليه وسلم: "ثمَّ عُرِجَ بي حتَّى ظَهرْتُ بِمُسْتَوًى أسمعُ فيهِ صَريفَ الأقلامِ" (¬8). وقالَ ابنُ حَزْمٍ وأنسٌ: قالَ النَّبيُّ صلى اللَّه
¬__________
(¬1) فرج: أي فتح، وقوله: "ففرج صدري" أي شقَّهُ (الحافظ ابن حجر، فتح الباري 1/ 460).
(¬2) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة وأثبتناه من المطبوعة وشرح السنة 13/ 345.
(¬3) الأسْوِدَة جمع سواد كسنام وأسنمة وزمان وأزمنة، وقال أهل اللغة: السواد الشخص وقيل السواد الجماعات (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 218).
(¬4) كذا في المخطوطة وشرح السنة، والعبارة في المطبوعة (فقلت) بالفاء.
(¬5) النَّسَم: بفتح النون والسين والواحدة نَسَمة، قال الخطابي وغيره: هي نفس الإِنسان، والمراد أرواح بني آدم (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 218).
(¬6) أي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (الحافظ ابن حجر، فتح الباري 1/ 462).
(¬7) كذا في المطبوعة (أبو حيّة) بالياء، قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 220 - 221: (أبو حبّة بالحاء المهملة وبالباء الموحدة، هكذا ضبطناه هنا، وفي ضبطه واسمه اختلاف، فالأصحّ الذي عليه الأكثرون "حبّة" بالباء الموحدة كما ذكرنا، وقيل "حيّة" بالياء المثناة تحت، وقيل "حنّة" بالنون وهذا قول الواقدي، وقد اختلف في اسم أبي حبّة، فقيل عامر، وقيل مالك، وقيل ثابت، وهو بدريّ باتفاقهم واستشهد يوم أُحد).
(¬8) صريف الأقلام: تصويتها حال الكتابة، قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية اللَّه تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء اللَّه تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره (النووي، شرح صحيح مسلم 2/ 221).

الصفحة 81