كتاب مصابيح السنة (اسم الجزء: 4)

وسلم، فنظرَ رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهوَ على بَغلتِهِ كالمُتطاوِلِ عليْها إلى قِتالهِمْ فقال: هذا حِينَ حَمِيَ الوَطِيسُ. ثُمَّ أخذَ حَصَياتٍ فرَمَى بهِنَّ وجُوهَ الكُفّارِ ثمّ قال: انهَزَموا ورَبِّ محمّدٍ فواللَّهِ ما هوَ إلَّا أنْ رَماهُمْ بحَصَياتِهِ، فما زِلْتُ أرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وأمْرَهُمْ مُدبرًا" (¬1).

4604 - وقيل للبَراءِ بنِ عازِبٍ رضيَ اللَّه عنهُ: أفَرَرْتُمْ يومَ حُنَيْنٍ؟ قال: لا واللَّه ما ولَّى رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولكنْ خرجَ شُبَّانُ أصحابهِ ليسَ عليهِمْ كثيرُ سِلاحٍ، فلَقُوا قَومًا رُماةً لا يَكادُ يَسقُطُ لهُمْ سَهْمٌ فرَشَقُوهُمْ رِشْقًا ما يَكادونَ يُخطِئونَ، فأقبَلُوا هُناكَ إلى رسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بَغلتِهِ البيضاء، وأبو سُفيانَ بنُ الحارِثِ رضيَ اللَّه عنهُ يقودُهُ، فنزلَ واستنصَرَ وقال:
أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ ... أنا ابنُ عبدِ المُطّلِبْ
ثمَّ صَفَّهُمْ" (¬2).
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1398، كتاب الجهاد (32)، باب في غزوة حنين (28)، الحديث (76/ 1775)، وحنين: وادٍ بين مكّة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكّة بضعة عشر ميلًا. والوطيس: قال الأكثرون هو شبه التنور يسجر فيه ويضرب مثلًا لشدّة الحرب التي يشبه حرّها حرّه، وقد قال آخرون: الوطيس هو التنور نفسه، وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس، وقيل هو الضرب في الحرب، وقيل هو الحرب الذي يطيس النَّاس أي يدقهم، وقالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقوله: "فما زلت أرى حدّهم كليلًا" أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة (النووي، شرح صحيح مسلم 12/ 113 - 117).
(¬2) متفق عليه، من رواية أبي إسحاق -عمرو بن عبد اللَّه السَّبيعي- قال: قال رجل للبراء: يا أبا عُمارة أفررتم يوم حنين؟. . . أخرجه البخاري في الصحيح 6/ 105، كتاب الجهاد (56)، باب من صفَّ أصحابه عند الهزيمة. . . (97)، الحديث (2930)، وفي 8/ 27 - 28، كتاب المغازي (64)، باب قول اللَّه تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ. . .} [التوبة: (9)، الآية (25)]، الحديث (4315) و (4316) و (4317). وأخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1400، كتاب الجهاد (32)، باب في غزوة حنين (28)، الحديث (78/ 1776)، =

الصفحة 95