كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)
وقوله: صَبِيًّا يريد: شاباً لم يبلُغْ حدّ الكهولة، ففي لفظ صبي على هذا، تجوّزٌ، واستصحابُ حال.
وروى مَعْمَرُ أَنَّ الصِّبْيَانَ دعوا يحيى إلى اللَّعب، وهو طِفْل، فقال: إني لم أُخلقْ للعب، فتلك الحِكْمة الَّتي آتاه الله عز وجل وهو صَبِيٌّ «1» ، وقال ابن عباس: من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فهو ممن أوتي الحِكْمة صَبِيّاً «2» . «والحنان» : الرحمةُ، والشفقةُ، والمحبّة قاله جمهورُ المفسرين، وهو تَفْسِير اللغة ومن الشواهد في «الحَنَان» قولُ النابغة:
[الطويل]
أَبَا مُنْذِرٍ، أَفْنَيْتَ فاستبق بَعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بْعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ «3»
وقال عطاء بن أبي رباح: حَناناً مِنْ لَدُنَّا بمعنى تعظيماً مِنْ لدنا «4» .
قال ع «5» : وهو أَيضاً ما عظم من الأمر لأجل الله عز وجل ومنه قول زيد بن عمرو بن نُفَيْل في خبر بِلاَلٍ: واللهِ، لَئِنْ قَتَلْتُمْ هَذَا العَبْدَ لاَتَّخَذْنَ قَبْرَهُ حَنَاناً «6» .
قال أَبو عبيدة: وأَكْثَر ما يُسْتَعمل مثنى. انتهى، والزكاةُ التنميةُ، والتَّطْهير في وُجُوه الخير.
قال مجاهدٌ: كان طعامُ يَحْيَى العُشب، وكان للدمع في خَدّه مجار ثابتة، وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً «7» ، روي أن يحيى عليه السلام لم يواقع معصية قَطُّ صغيرة ولا كبيرة، والبَر كثير البرّ، والجبار: المُتكبّر، كأَنه يجبر الناس على أخلاقه.
__________
(1) أخرجه الطبريّ (8/ 315) برقم: (23548) ، وذكره ابن عطية (4/ 7) ، وابن كثير (3/ 113) ، والسيوطي (4/ 470) ، وعزاه لأحمد في «الزهد» ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي، وابن عساكر عن معمر بن راشد.
(2) ذكره ابن عطية (4/ 7) ، والبغوي (3/ 190) والسيوطي (4/ 470) ، وعزاه لابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عباس مرفوعا، وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفا.
(3) البيت لطرفة بن العبد في «ديوانه» ص (66) ، و «الدرر» (3/ 67) ، و «الكتاب» (1/ 348) ، و «ولسان العرب» (13/ 130) (حنن) ، و «همع الهوامع» (1/ 190) ، وبلا نسبة في «جمهرة اللغة» ص (1273) ، و «شرح المفصّل» (1/ 118) ، و «والمقتضب» (3/ 224) .
(4) أخرجه الطبريّ (8/ 316) رقم (23559) ، وذكره ابن عطية (3/ 113) .
(5) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 7) .
(6) ذكره ابن عطية (4/ 7) .
(7) ذكره ابن عطية (4/ 8) .