كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)
وَكُنْتُ نَسْياً أيْ: شَيْئاً مَتْرُوكاً محتقراً، والنَّسِيُّ في كلام العرب الشيءُ الحقير الذي شأنه أَن يُنْسَى، فلا يُتَأَلَّمُ لفقده كالوتد، والحبل للمسافر، ونحوه.
وهذه القصةُ تقتضي أَنها حملت واستمرَّت حامِلاً على عُرْف البشر، واستحْيَتْ من ذلك ومرّت بسببه، وهي حاملٌ، وهو قولُ جمهور المتأوِّلين.
وروى عن ابن عباسٍ أَنه قال: ليس إلا أَن حملت، فوضعت في ساعةٍ واحدة والله أعلم «1» .
وظاهر قوله: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ أنها كانت على عرف النساء.
[سورة مريم (19) : الآيات 24 الى 28]
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
وقولُهُ سبحانه: فَناداها مِنْ تَحْتِها قرأ ابنُ كَثِير، وأبو عَمْرو، وابن عامرٍ، وعَاصِمٌ «2» : «فناداها مَنْ تحتها» على أَن «مَنْ» فاعل بنادى، والمراد بِ «مَنْ» عيسى قاله مجاهدٌ، والحسنُ، وابن جبير، وأبي بن كعب «3» .
__________
(1) أخرجه الطبريّ (8/ 325) برقم (23605) ، وذكره ابن عطية (4/ 11) ، والبغوي (3/ 192) ، وابن كثير (3/ 116) .
(2) إنما قرأها عاصم هكذا من رواية أبي بكر، وإلا فهي من رواية حفص المشهورة مثل الباقين «من تحتها» .
وحجة هؤلاء أنه روي عن أبيّ قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها.
وحجة الباقين ما روي عن ابن عباس أنه قال: «من تحتها» : جِبْرِيلُ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
ينظر: «السبعة» (408- 409) ، و «الحجة» (5/ 197) ، و «إعراب القراءات» (2/ 16) ، و «معاني القراءات» (2/ 133) ، و «شرح الطيبة» (5/ 32) ، و «العنوان» (126) ، و «شرح شعلة» (485) ، و «حجة القراءات» (441) ، و «إتحاف» (2/ 235) .
(3) أخرجه الطبريّ (8/ 327) عن مجاهد برقم (23626) ، والحسن برقم (23631) ، وابن جبير برقم (23633) ، وأبي بن كعب (23635) ، وذكره ابن عطية (4/ 11) ، والبغوي (3/ 192) عن مجاهد والحسن، وابن كثير (3/ 117) عن مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، والسيوطي (4/ 482) وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
والثاني: عزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.
والثالث: عزاه لابن المنذر عن أبي بن كعب.