كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

سفيانَ بنِ حَرْبٍ «1» ، والَّلامُ من قوله: لِيَجْزِيَ يصحّ أن تكون متعلقة بقوله: لَتَأْتِيَنَّكُمْ والَّذِينَ معطوف على الَّذِينَ الأولى، أي: وليجزي ليجزي الّذين سعوا ومُعاجِزِينَ معناه: مُحَاوِلِينَ تَعْجِيزَ قدرةِ اللهِ فِيهمْ، ثُم أَخْبَرَ تَعَالَى بَأَنَّ الذِينَ أُوتُوا العِلمَ يَرَوْنَ الوَحْيَ المُنَزَّل عَلَى مُحَمَّدٍ عليه السلام حَقاً، والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قِيلَ: هُمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنُونَ «2» بِهِ، ثُمَّ حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ الكُفَّارِ مَقَالَتَهُمْ الَّتِي قَالُوهَا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ وَالهُزْءِ وَاسْتِبْعَادِ البَعْثِ، هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمّدا صلى الله عليه وسلّم يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ بِالبِلَى وَتَقَطُّعِ الأوصال في القبور وغيرها وجَدِيدٍ بمعنى مُجَدَّدِ، وقولهم: أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً هُوَ أَيْضاً مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ قَوْلِهِمْ فَقَالَ: بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ: يُريدُ عَذَابَ الآخرةِ لأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إلَيْه، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يريدَ عَذَابَ الدنيا أَيضاً، والضَّمِيرُ فِي قوله: أَفَلَمْ يَرَوْا لهؤلاء الذين لا يؤمِنُونَ بالآخرةِ وَقَفَهُمْ الله على قدرتِه، وخَوَّفَهُم من إحاطَتِهَا بهِمْ، والمعنى: أليسَ يَرونَ أمامَهم وَوَرَاءَهُم سَمَائِي وَأَرْضِي، وَبَاقِي الآية بيّن، ثم 78 أذكر الله تَعَالَى نعمتَه عَلى دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ/ احتجَاجاً على ما منح محمّدا، وأَوِّبِي مَعنَاه:
رَجِّعي معه، قال ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُهُ: معناه: يا جبالُ سَبِّحِي مَعَه، أي: يُسَبِّحُ هُوَ وتُرَجِّع هِيَ معه التسبيحَ، أي: تُرَدِّدُهُ بالذكر «3» .
وقال مؤرج: أَوِّبِي سَبِّحِي بِلُغَةِ الحَبَشةِ، وقَرَأَ «4» عَاصِمُ: «والطيرُ» - بالرفع- عَطْفاً عَلى لفظِ قوله: «يا جبال» وقرأ نافع وابن كثير: «والطير» بالنّصب-.
__________
(1) ذكره ابن عطية (4/ 405) .
(2) أخرجه الطبريّ (10/ 347) (28711) ، وذكره البغوي (3/ 549) ، وابن عطية (4/ 406) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (4/ 426) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(3) أخرجه الطبريّ (10/ 350) (28719) ، وذكره ابن عطية (4/ 407) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 527) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 426) ، وعزاه لابن أبي شيبة في «المنصف» ، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) يعني قرأ عاصم في غير رواية حفص. وبها قرأ الأعرج وقرأ بها يعقوب كما ذكر الأزهري في «معاني القراءات» (2/ 290) . وقرأ بقراءة الجمهور عاصم في رواية حفص، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو جعفر. وبالجملة فقد قال الأزهري (2/ 289) : واتفق القراء على نصب قوله: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ.
وينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 407) ، و «البحر المحيط» (7/ 253) ، و «الدر المصون» (5/ 434) .

الصفحة 364