كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)
وَتَقْطَعُ فِي الرَّوَاحِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ، مسيرةَ شَهْرٍ، وَكَانَ سليمانُ إذَا أرادَ قَوْماً لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَّمَاءِ «1» . وقوله تعالى: وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ:
قَال ابن عباس، وغيره: كانتْ تَسِيلُ لَهُ باليَمَنِ عَيْنٌ جَارِيَةٌ مِنْ نُحَاسٍ يُصْنَعُ لَهْ منها جميع ما أحبّ، والْقِطْرِ: النّحاس «2» ، ويَزِغْ: معناه: يَمِلْ، أي: يَنْحَرِفُ عاصياً، وقال: عَنْ أَمْرِنا ولم يقل: «أرادتنا» لأَنَّهُ لاَ يَقَعُ في العالِم شَيءٌ يخالفُ إرَادتَهُ سُبْحَانه تعالى ويقعُ ما يخالفُ الأَمر، وقوله: مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ قيل: عذابُ الآخرة.
وقيل: بل كان قد وكّل بهم مَلكٌ بيدِه سَوْطٌ مِن نَارٍ السَّعِيرِ فَمَنْ عَصَى ضَرَبَهُ فَأَحْرَقَهُ، و «الْمَحَارِيبُ» : الأَبْنِيَةُ العَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ، قَالَ قَتَادَةُ: القصورُ والمسَاجِدُ والتَّمَاثِيلُ «3» ، قِيلَ: كَانَتْ مِن زُجَاجٍ وَنُحَاسٍ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ، «والجوابي» :
جَمْعُ جَابِيةٍ وَهِي البِرْكَةُ التي يجبى إليها الماء وراسِياتٍ مَعْنَاه: ثابتاتُ لِكِبَرهَا، ليستْ مِمَّا يُنْقَلُ أو يُحْمَل ولا يَسْتَطِيعُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الجنُّ ثُمَّ أُمرُوا مَعَ هذهِ النعمِ بأَنْ يَعْمَلُوا بالطّاعات، وشُكْراً يُحْتَمَلُ نَصْبُه عَلى الحَالِ، أوْ عَلَى جِهَةِ المَفْعُولِ، أي: اعملوا عَمَلاً هو الشكرُ كَأَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّها هِي نَفْسُ الشُّكْرِ، وفي الحديث: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم صَعَدَ المنبرَ فَتَلا هذه الآيةَ، ثم قال: «ثَلاثٌ من أُوتِيهِنَّ فَقَدْ أُوتِي العَمَلَ شُكْراً: العدلُ في الرضَا والغَضَبِ، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى، وخَشْيَةُ اللهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَة» «4» ، وَهَكَذَا نقل ابن
__________
(1) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 353) ، برقم (28740) بنحوه، وذكره ابن عطية في «في تفسيره» (4/ 408) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 427) بنحوه، وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.
(2) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 353) برقم (28745) عن قتادة، ورقم (28746) عن ابن زيد، ورقم (28748) عن ابن عباس، وذكره البغوي في «تفسيره» (3/ 551) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 409) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 528) ، بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 428) بنحوه، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. [.....]
(3) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 354) رقم (28751) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 409) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 528) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 429) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.
(4) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 430- 431) ، وعزاه إلى ابن المنذر عن عطاء بن يسار مرسلا، وإلى ابن مردويه عن حفصة مرفوعا.
والحكيم الترمذيّ عن أبي هريرة مرفوعا.
وابن النجار في «تاريخه» عن أبي ذر.
وذكره الهندي في «كنز العمال» (43224) ، وعزاه للحكيم الترمذيّ عن أبي هريرة.
الصفحة 366
395