كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

هُو أَدْنَى بالّذِي هُو خَيْرٌ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَفَرَّقَ الله شَمْلَهُمْ وخَرَّبَ بِلادَهُمْ وجَعَلَهُمْ أَحَادِيثَ وَمِنِه المثَلُ السَّائِرُ «تَفَرَّقُوا أيادِي سَبَا وأيْدي سَبَا» يُقَالُ المَثَلُ بِالوَجْهَيْنِ وهَذَا هُو تَمْزِيقُهمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةُ قَبَائِلَ وَتَشَاءَمَتْ مِنْهُمْ أرْبَعَةٌ حَسْبَمَا فِي الحديثِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تعالى محمّدا صلى الله عليه وسلّم وَأُمَّتَهُ عَلى جِهة التَنْبِيهِ بَأَنَّ هَذَا القَصَصَ فيه آيات وعبر لكلّ مؤمن متّصف بالصّبر والشكر.

[سورة سبإ (34) : الآيات 20 الى 24]
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
وقوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ... الآية، قَرَأَ نَافِعُ وأَبُو عمرِو وابن عَامِرٍ: «ولقد صَدَقَ» بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ والكسائيِّ «1» : «صدّق» بتشديدها فالظّن 80 أعلى هذِهِ القِرَاءَةِ مَفْعُولُ «بَصدَّقَ» ومَعْنَى/ الآية: أَنَّ إبْلِيسَ ظَنَّ فِيهمْ ظَنّاً حَيْثُ قَالَ: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الأعراف: 17] . وغَيْرَ ذلك فَصَدَّقَ ظَنَّهُ فِيهمْ وأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ اتَّبَعُوهُ وهُو اتِّبَاعٌ فِي كُفْرٍ لأَنَّهُ فِي قِصَّة قَوْمٍ كُفَّارٍ.
وقولُه: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ يَدُلّ عَلى ذَلكَ وَ «مِنْ» فِي قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لبيَانِ الجِنْسِ لاَ لِلتَّبْعِيضِ.
وَقَوْلهُ: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي: مِنْ حُجَّةٍ، قال الحسنُ: واللهِ مَا كَانَ لهُ سَيفٌ وَلاَ سَوْطٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَمَالَهُمْ فَمَالُوا بتزيينه «2» .
__________
(1) وقرأ عاصم بتثقيلها- كما قرأ الأخوان.
ينظر: «السبعة» (527) ، و «الحجة» (6/ 20) ، و «إعراب القراءات» (2/ 219) ، و «معاني القراءات» (2/ 294) ، و «شرح الطيبة» (5/ 156) ، و «العنوان» (156) ، و «حجة القراءات» (588) ، و «شرح شعلة» (554) ، و «إتحاف» (2/ 386) .
(2) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 371) رقم (28835) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 417) بلفظه، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (3/ 535) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 440) كلاهما بنحوه.
وعزاه السيوطي لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.

الصفحة 372