كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

وقولُه تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يريدُ: الأصْنَامَ والملائِكَةَ وذَلِكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الملائِكَةَ وَهَذِهِ آيَةٌ تَعْجِيزٍ وَإقَامَةِ حُجَّةٍ ويروى أَنَّ الآيةَ نَزَلَتْ عند الجوع الّذي أصاب قُرَيشاً، ثُمَّ جَاءَ بصِفة هؤلاَءِ الذين يَدْعُونهم آلِهَةً أنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ مُلْكَ اخْتِرَاعٍ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وأنَّهُمْ لاَ شِرْكَ لَهُمْ فِيهِمَا، وهذَانِ نَوْعَا المُلْكِ: إمّا استبداد وإمّا مشاركة فنفى عنهم جَمِيعَ ذَلِكَ وَنَفَى أنْ يَكُونَ مِنْهُم لِلَّهِ تعالى مُعِينٌ فِي شَيْءٌ، و «الظَّهِيرُ» : المُعينُ، ثُمَّ قَرَّرَ فِي الآيةِ بَعْدُ أنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يْشْعَفُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ لاَ تَصِحُّ مِنْهُمْ شَفَاعَةٌ لَهُمْ إذْ هَؤلاءِ كَفَرَةٌ وَلاَ يأْذَنُ اللهُ فِي الشَّفَاعَةِ فِي كَافِرٍ، وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو عمرو «أُذِنَ» - بِضَمِّ الهَمْزَةِ- «1» .
وقوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ... الآيةَ. الضَّميرُ في قُلُوبِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الملائِكَةِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ آلِهَةً.
قال ع «2» : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أَنَّ هَذِهِ الآية- أَعْنِي قوله:
حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ... - إنَّما هِي فِي المَلاَئِكَةِ إذَا سَمِعَتِ الوَحْيَ إلَى جِبْرِيلَ، أو الأمْرَ يَأْمُرُ اللهُ بِهِ، سَمِعَتْ كَجَرِّ سِلْسِلَةِ الحَدِيدِ عَلى الصَّفْوَانِ، فَتَفْزَعُ عِنْد ذَلِكَ تَعْظِيماً وَهَيْبَةً لِلَّهِ تَبَارَكَ وتعالى وقِيل: خَوْفاً أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَإذَا فَرَغَ ذَلِكَ، فُزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِم، أي: أُطِيرَ الفَزَعُ عَنْهَا وَكُشِفَ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لبعض ولجبريل: ماذا قال ربّكم؟ فيقول المسؤلون: قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ.
ت: وَلَفْظُ الحديثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم قَال: «إذَا قَضَى اللهُ أَمْراً فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ على صَفْوَانٍ، فَإذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكبير» «3» انتهى.
__________
(1) وحجة الباقين في فتح الهمزة قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ [النبأ: 38] ، وقوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم: 26] فردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.
ينظر: «حجة القراءات» (589) ، و «السبعة» (529- 530) ، و «الحجة» (6/ 21) ، و «إعراب القراءات» (2/ 220) ، و «معاني القراءات» (2/ 295) ، و «شرح الطيبة» (5/ 157) ، و «العنوان» (157) ، و «شرح شعلة» (554) ، و «إتحاف» (2/ 386) .
(2) ينظر: «المحرر» (4/ 418) .
(3) أخرجه البخاري (8/ 398) كتاب التفسير: باب حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ حديث (4800) ، والترمذيّ (5/ 362) كتاب التفسير: باب ومن سورة سبأ، حديث (3223) ، وابن ماجه (1/ 69- 70) المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية، حديث (194) ، والطبريّ في «تفسيره» (10/ 373) رقم (28847) من حديث أبي هريرة مرفوعا. -

الصفحة 373