كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

[سورة فاطر (35) : الآيات 8 الى 10]
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
وَقَوْلُهُ تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً تَوْقِيفٌ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير وأحسن التَّقْدِيرِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ بَعْدُ عَلَيْهِ «1» وقَرَأَ الجُمْهُورُ: فَلا تَذْهَبْ- بِفَتْحِ التَّاءِ والهَاءِ-: نَفْسُكَ- بالرَّفْعِ-، وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ «2» «تُذْهِبْ» - بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الهَاءِ- «نَفْسَكَ» - بِالنَّصْبِ- وَرُوِيَتْ عَنْ نَافِعٍ «3» ، وَالْحَسْرَةُ هَمُّ النَّفْسِ عَلَى فَوَاتِ أَمْرِ، وَهَذِهِ الآية تسلية للنّبيّ صلى الله عليه وسلّم عَنْ كُفْرِ قَوْمِه، وَوَجَبَ التَسْلِيمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إضْلاَلِ مَنْ شَاءَ وَهِدَايَةِ مَنْ شَاءَ.
وَقَوْلهُ سبحانه: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ هَذهِ آيَةُ احْتِجَاجِ عَلَى الكَفَرَةِ فِي إنْكَارِهِمْ البَعْثَ مِنَ القُبُورِ.
وَقَوْلهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ بِمُغَالَبَةٍ فَلِلَّهِ العِزَّةُ: أي: لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ وَلاَ تَتِمُّ إلاَّ بِهِ، وَنَحَا إلَيْهِ مُجَاهِدٌ وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ» .
قال ع «5» : وَهَذَا تَمَسُّكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا [مريم: 81] .
وَيُحْتَمَلُ/ أَنْ يُرِيدَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ وَطَرِيقَهَا القَوِيمَ وَيُحِبُّ نيلها على وجهها فلله 82 ب
__________
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 430) ، و «البحر المحيط» (7/ 288) ، و «الدر المصون» (5/ 460) .
(2) ينظر: «مختصر الشواذ» ص 124، و «المحرر الوجيز» (4/ 430) ، و «البحر المحيط» (7/ 288) ، وزاد نسبتها إلى أبي حيوة، وشيبة، وحميد، والأعمش، وابن محيصن.
وهي في «الدر» (5/ 460) .
(3) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 430) ، و «البحر المحيط» (7/ 288) .
(4) أخرجه الطبريّ (10/ 398) (28935) ، وذكره ابن عطية (4/ 429) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 549) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 461) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه.
(5) ينظر: «المحرر» (4/ 431) .

الصفحة 383