كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)
83 ب الْعُلَماءُ، أي: المحصلون لهذه العبرَ، الناظرون فيها، / وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «1» «أعلمكم بالله أشدّكم له خشية» وقال صلى الله عليه وسلّم «رَأْسُ الحِكْمَة مَخَافَةُ الله» «2» .
وقال الرَّبِيع بن أنس: مِنْ لم يخشَ الله فليسَ بعالمٍ «3» ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: كفى بالزهدِ عِلما «4» ، ويقال: إن فاتحةَ الزَّبور: «رأس الحكمة خشيةُ الله» وقال ابن مسعود «5» : كفى بخشيةِ الله علماً، وبالاغترارِ به جهلاً.
وقال مجاهد والشعبي «6» : إنما العالمَ مَنْ يخْشَى الله. وإِنَّما في هذه الآية تحضيض لِلعلمَاء لاَ للحصر. قال ابن عطاء الله في «الحِكم» : العلمْ النافعُ هُو الذي يَنْبَسِط في الصدر شعاعُه، ويُكْشَفُ به عن القلبِ قناعُه، خَيرُ العلم ما كانت الخشيةُ مَعَه والعلم إن قارَنَتْهُ الخشيةُ فَلَكَ وإلا فَعَلَيْكَ.
وقال في «التنوير» : اعلم أنَّ العلْمَ حيثُ ما تكرَّر في الكتابِ العزيز أو في السُّنَّة فإِنما المرادُ به العِلْمُ النافِعُ الذي تقارنُهُ الخشيةُ وتَكْتَنِفُه المخَافَةُ: قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فبَيَّنَ سبحانه أنَّ الخشيةَ تُلازِمُ العلمَ، وفُهِمَ من هذا أن العلماءَ إنما هم أهل الخشية. انتهى.
قال ابن عَبَاد في «شرح الحكم» : واعلم أن العلمَ النافعَ المتفقَ عليه فيما سلف وخلف إنما هو العلم الذي يؤدي صاحبَه إلى الخوفِ، والخشيةِ، وملازمةِ التَّواضُع، والذَّلَّةِ، والتخلُّقِ بأخلاق الإيمان، إلى ما يَتْبَعُ ذلك من بُغْضِ الدنيا، والزَّهَادَةِ فيها، وإيثارِ الآخرة عليها، ولزوم الأدَب بين يَدَيْ الله تعالى، إلى غير ذلك من الصفات العَلِيَّةِ والمَنَاحِي السَّنِيَّة. انتهى. وهذه المعاني كلها مُحَصَّلة في كتب الغزالي وغيره رضي الله عن جميعهم، ونفعنا ببركاتهم.
__________
(1) قال الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف» (3/ 152) : غريب، وذكره الثعلبي هكذا.
(2) أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (116) عن عقبة بن عامر، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 470- 471) رقم (744) من حديث ابن مسعود، وضعفه البيهقي.
(3) ذكره ابن عطية (4/ 437) .
(4) ذكره ابن عطية (4/ 437) .
(5) ذكره ابن عطية (4/ 437) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 470) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وأحمد في «الزهد» ، وعبد بن حميد، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(6) ذكره البغوي (3/ 570) ، وابن عطية (4/ 437) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 470) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن مجاهد.
الصفحة 388
395