كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

وذلك لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِن الرياء، فأَمَّا دُعاءُ زكرياء عليه السلام فإنما كان خفيّاً لوجهين:
أَحدُهُما: أَنَّهُ كان ليلاً.
والثاني: أَنَّهُ ذَكَرَ في دُعَائه أَحوالاً تفتقرُ إلى الإخفَاءِ كَقَوْلِهِ: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي. وهذا مما يكتم. انتهى.
ووَهَنَ الْعَظْمُ معناه ضَعُفَ، واشْتَعَلَ مُسْتَعَارٌ للشيْب منِ اشتعال النَّار.
وقولهُ: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا شكر لله- عز وجل- على سالف أياديه عنده، معناه: قد أَحسنتَ إليَّ فيما سلَف، وسعدتُ بدعائي إيَّاك فالإنعامُ يقتضي أَنْ يشفع أَوله آخره.
ت: وكذا فسَّر الدَّاوُودِيُّ، ولفظه: «ولم أَكنْ بدُعائِك رَبِّ شقيّاً» ، يقولُ: كنْتَ تعرفني الإجابَة فيما مضى، وقاله قتادةُ: انتهى.
وقوله: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ ... الآية، قيل: معناه خاف أَن يرثَ الموَالي مَالَهُ، والموالي: بنو العمّ، والقرابةُ.
وقولُه مِنْ وَرائِي أَيْ: من بعدي.
وقالت فرقةٌ: إنما كان مواليه مهمِلينَ للدِّين فخاف بموته أَنْ يضَيع الدينُ فطلب وليّاً يقومُ بالدين بعده حَكَى هذا القولَ: الزَّجَّاجُ، وفيه: أَنه لا يجوزُ أَن يسأل زَكَرِيَّاءُ من يرث ماله إذ الأَنبيَاءِ لا تُورَثُ.
قال: ع «1» : وهذا يُؤَيّده قوله «2» صلى الله عليه وسلّم: «إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُو صَدَقَة» «3» . والأَظهرُ الأَلْيق بزكرياء عليه السلام أَن يريدَ وِرَاثةَ العِلْم والدِّينِ، فتكون الوارثةُ
__________
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 4- 5) .
(2) في ج: قول النبي.
(3) أخرجه البخاري (6/ 227- 228) كتاب «فرض الخمس» : باب فرض الخمس، حديث (3094) ، (7/ 389) كتاب المغازي باب حديث لبني النضير، حديث (4033) ، (9/ 412- 413) كتاب «النفقات» :
باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، حديث (5358) ، (13/ 290- 291) كتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» : باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، حديث (7305) ، ومسلم (3/ 1377- 1379) كتاب «الجهاد» : باب حكم الفيء، حديث (49/ 1757) ، وأبو داود (2/ 154- 156) كتاب «الخراج» : باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الأموال، حديث (2963) ، والترمذي (4/ 158) كتاب «السير» : باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حديث (1610) ، وفي «الشمائل» (216) ، -

الصفحة 6