كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

به قطعاً، وإنما نشأ إشكالُه من جهة (¬1) الاستبعاد العقلي مثل إثبات القِدَمِ لله تعالى مع عدم تصور العقل لماهيته، ومثل إشكال (¬2) إثباتِ الفاعلية لله تعالى في حال القدم، وإشكال إحالة الفاعلية له سبحانه أيضاً.
وكذلك إثباتُ العذاب الأُخروي، ودوامُه على كل مذهب، فالمحدِّثُ لكمال معرفته بالأحوال النبوية يعلم ضروراتها التي جحدُها كُفرٌ، فيؤمن بها، ويَكِلُ المشتبهات (¬3) إلى الله تعالى، ويلتزم من محارات العقول، ومستبعداتها ما التزمه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء به، فَيَسْلمُ من الكفر.
والمتكلم لبعده عن الاشتغال بعلم النقل رُبَّما يمكن الاستبعاد العقلي معه، فاعتقده علماً ضرورياً من العقل، ثم اعتقد المعلوم ضرورةً من الدين (¬4) آحاداً، لأجل تقصيره في البحث، وشُغله وقته بالنظر، فيقع بذلك من الكفر أو الإثم في أعظمِ خطرٍ، ومعرفةُ هذا وتأمُّلُه بعين الإنصاف هو من أعظم المرجِّحات للاشتغال بعلم الأثر، فإن مدة العمر قصيرة، وقلَّ من جمع الإمامتين في العِلْمَين، ومن ثمَّ قيل: إنَّ عِلْمَ السلف أسلم، والله سبحانه أعلم.
ومن أمثلة ذلك: شكُّ الباطنية في المعاد مع تواتره، وشكُّ كثير من المبتدعة في كثيرٍ من الصفات مع تواترها، كنفي المعتزلة لنفوذ مشيئة الله وإرادته وقدرته على هداية الخلق، ونفي الأشعرية لحكمته سبحانه،
¬__________
(¬1) " جهة " ساقطة من (ش).
(¬2) " إشكال " ساقطة من (ش).
(¬3) في (ش) و (ب): المشبهات.
(¬4) في (ش): من الدين ضرورة.

الصفحة 17