كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

وأنزل الكتب" أو كما قال، رواه البخاري (¬1) وغيره، وقال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134]، إلى أمثال ذلك من النصوص الدالة على أن حجة الله قد وضحت، وقامت على الخلق من قبل مناظرة الدَّرَسَة، وخيالات المبتدعة، ووساوس المتكلمة، وتحكُّمات المتكلّفة، ولكنهم كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين} [النمل: 13]، وقال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام لما قال له (¬2) فرعون: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 101، 102]، وقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
وإن كان مرادُكم الفصل بين المختلفين، وجمع كلمة العالمين (¬3) أجمعين فذلك غير مقدورٍ عند أهل السنة لأحد من المخلوقين (¬4)، ولا يَقْدِرُ عليه عندهم، ولا يفصل بينهم إلاَّ ربُّ العالمين كما قال سبحانه في كتابه المبين: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [الحج: 17]، ولهذا سمَّى الله يوم القيامة يوم الفصل، والعَجَبُ من المعتزلة أنَّ مذهبهم أن هداية الكفار والضلال غير مقدورةٍ (¬5)
¬__________
(¬1) (7416)، وقد تقدَّم تخريجه 1/ 170.
(¬2) في (ش): قاله.
(¬3) في (ب): كلمة رب العالمين، وهو خطأ.
(¬4) في (ب): الخلق.
(¬5) في (ش): مقدر.

الصفحة 29