كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

إلى فضيلة أهل الرِّقَّة والخشوع التي هي من آثار استحضار تصوُّر الضروريات فقال سبحانه: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون} [المائدة: 82]. ثم وصفهم بالمعرفة، ووصف معرفتهم بما يوجب ملازمة (¬1) الخشوع العظيم، فقال سبحانه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ} [المائدة: 83]، وهذه صفة معرفة الصالحين لا صفة معرفة الجدليين والمنطقيين وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109]، فكيف يقال: إن من اعتقد أن المعارف ضروريةٌ يلزمه إهمال الفكر (¬2) والنظير وردُّ القرآن والخبر والأثر.
ولقد صنَّف الجاحظ -وهو من أهل هذه المقالة- كتات " العبر والاعتبار " (¬3)، فأتى فيه بما يقضي له بعُلُوِّ القدر في علم النظر من التفكر في عجائب المخلوقات الضروريات.
وكذلك النظر في علم التشريح، وعجيب خِلقة الإنسان والتأمل لما يُدْرَكُ من (¬4) ذلك بالتواتر والعيان.
وقد حثَّ الله تعالى على النظير في المشاهدات وهي من
¬__________
(¬1) " معرفتهم " ساقطة من (ب).
(¬2) في (ش): الذكر.
(¬3) ذكره ابن النديم في " الفهرست " ص 211، وياقوت في " معجم الأدباء " 16/ 108 باسم " التفكر والاعتبار ".
(¬4) ساقطة من (ش).

الصفحة 37