كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)
وأما الهجوم على الجزم باعتقاد أحد الأقوال في مسائل الخلاف النَّظريَّة من غير نصٍّ من كتاب الله تعالى، ولا سنَّةٍ (¬1) صحيحةٍ من مُحَدِّثٍ جامد، فيُعَرَّض للخزي في الدنيا والآخرة. نسأل الله السلامة.
فإيَّاك أيُّها السُّنِّيُّ، وطول اللجاج، وشِدَّة الشَّكيمة في مسألة اللفظ (¬2)، وفي مسألة الحدوث، وفي مسألة القِدَمِ، واقتصر على أن القرآن كلامُ الله حقيقةً، وأنه كلَّم موسى عليه السلام، وكلَّم من شاء من أنبيائه، كما قال: منهم من كلم الله [البقرة: 253] مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيءٌ، وسمِّ القرآن بما سمَّاه الله تعالى من الأسماء الشريفة، وكِلْ حُكْمَ من تعدِّى ذلك من المختلفين إلى الله تعالى.
فإن قلت: ما الذي مَنَعَ أحمد بن حنبل وغيره من أهلِ الحديث من مُوافقةِ الظاهريَّة على حدوث القرآن مع أنه ظاهر الآيات، ومع أنه (¬3) لا يقتضي ردَّ قوله تعالى: {وكلَّمَ اللهُ مُوسى تكليماً} وأمثالها، ومع كونهم لا يرون (¬4) تأويل الظواهر بالرأي، والتمحُّل (¬5) البعيد بغير موجبٍ؟
قلت: الذي فهمته مِنْ تكرارِ النظر في عباراتهم ومقاصدهم أحد وجهين، أو كلاهما:
الوجه الأول: أنهم رأوا للحدوث معنيين: حدوثاً نسبيّاً، وحدوثاً مُطلقاً، فالحدوث النسبي (¬6) بالنظر إلى نزوله، ومجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجبريل عليه السلام، كقوله تعالى: {إنَّه لَقَوْلُ
¬__________
(¬1) في (ش): سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(¬2) ساقطة من (ش).
(¬3) في (ب): كونه.
(¬4) في (أ) و (ج) و (د) و (ش): " يروون "، والمثبت من (ب).
(¬5) في (ب): " التحمل "، وهو تحريف.
(¬6) في (ب): فالنسبي هو حدوثه.