كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

لحدوث اللفظ، لأنه قد صار في عُرفهم في ذلك العصر يفيد معنى محظوراً عندهم، أو يُوهِمه، أو يجري عليه، وقد يُنهى (¬1) عن اللفظ الصحيح لمثل ذلك، كما قال تعالى: {لا تقولوا رَاعِنَا وقُولوا انظُرنا} (¬2) [البقرة: 104] فمنع مِن قولهم: {رَاعِنا} وهو لفظٌ صحيح المعنى لما تعلَّقت به مفسدةٌ يسيرةٌ، فكيف (¬3) بما نحن فيه؟!
وقد صحَّ، أو تواتر، النهيُ عن أن يقول المسلم: نسيت آية كذا، بل هو أُنسِيَها لنحو ذلك (¬4)، وكل هذا صحيحٌ صريحٌ في منع بعض
¬__________
(¬1) في (د): نهى.
(¬2) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية 1/ 213: نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه ثورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولون: راعِنا، يُورون بالرُّعونة كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} ...
ويقول القاسمي رحمه الله في تفسيرها 2/ 215 - 216: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا} للنبي - صلى الله عليه وسلم - (راعنا) التي تقصدون بها الرعاية والمراتبة لمقصد الخير وحفظ الجانب، فاغتنمها اليهود لموافقة كلمة سيئة عندهم، فصاروا يلوون بها ألسننهم، ويقصدون بها الرعونة، وهي إفراط الجهالة، فنهاهم عن موافقتهم في القول منعاً للصحيح الموافق في الصورة لشبهه من القبيح، وعوضهم منها ما لا يتطرّق إليه فساد، فقال: وقولوا انظرنا فأبقى المعنى وصرف اللفظ أي: انظر إلينا بالحذف والإيصال أو انتظرنا على أنه من نَظَرَه، إذا انتظره. وانظر " جامع البيان " 2/ 459 - 469.
(¬3) في (ش): كيف.
(¬4) أخرج البخاري (5032) و (5039)، ومسلم (790)، وأحمد 1/ 382 و417 و423 و429 و438 - 439، والترمذي (2942)، والنسائي 2/ 154، والطبراني 10/ (1023) و (10415) و (10436) و (10437) و (10449)، والحاكم 1/ 553، والبغوي في " شرح السنة " (1222) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيتُ آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ واستذكروا القرآن، فإنَّه أشدُّ تَفَصِّيّاً من صدور الرجال مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِها ". =

الصفحة 383