كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 4)

مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 13 - 14]، فإنها في معنى التأكيد للخبر بكون عجزهم عن المعارضة دليلاً مُفيداً للعلم بأن القرآن أُنزل بعلم الله، وبصحة ما فيه من توحيد الله، ونفي كل آلهةٍ سواه، وقرينة ذلك وقفه للأمر بالعلم على شرط أن لا يستجيبوا، وذلك كقولك لمن يُناظرك: ائت بمثل كلام الله، فإن عجزت، فاعلم أنَّه حقٌّ، وإن لم تقطع بهذا المعنى يكون محتملاً، وبيان ذلك أن العجز عن المعارضة للقرآن دليلُ إعجازه، فمتى حَصَلَ العجز بعد التحدي، وتحقَّق، حصل العلم، فيكون الأمر حينئذ بتحصيل العلم مجازاً، لأنه لا يصح الأمر (¬1) بتحصيل الحاصل، وهذا على المختار أن حصول العلم بعد النظر في الدليل على الوجه الصحيح ضروري غير اختياري، ونظير ذلك قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص: 49 - 50]، والله سبحانه أعلم.
الخامس: أنه معارض بأدلة المخالفين المتقدمة (¬2) فكيف يُستنتج العلم مما ترتَّب على هذه الظُّنون، وحَصَلَت فيه مع ذلك المعارضة؟ وكفي في معارضته بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} [الحجرات: 14]،
فقد وعدهم بقبول أعمالهم في الإسلام مع عدم الإيمان الصادق الذي
¬__________
(¬1) من قوله: " حينئذٍ " إلى هنا ساقط من (ش).
(¬2) في (ش): المقدمة.

الصفحة 45